شغل موضوع المرأة والتاريخ الشفوي وفن السيرة الشعبية العديد من الدراسات الثقافية والجندرية، ورأت هذه أن النوع الاجتماعي يؤثر في تشكيل النصوص وطريقة السرد وأدائه وشكله وأساليبه، ويُغيّر في طبيعة التلقّي.
وكانت معظم القراءات تنظر إلى سرد المرأة باعتباره لا يأخذ مسافة مما ترويه، بعكس الرجل القادر على أخذ مسافة من الحكاية ورؤيتها من بعيد، ولكن هل يقلّل هذا من قيمة أسلوب المرأة في قول حكاية ما؟ وهل ينطبق ذلك على حكي الرواية الشفوية والمكتوبة على حد سواء؟
ظل سياق السير الشعبية محكوماً براوية الرجال، الزير سالم وعنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي كلها شخصيات غارقة في الذكورية ورُويت بهذا اللسان وقُدّمت على هذه الصورة.
اشتهرت هذه الروايات من خلال الحكواتيين الرجال الذين نقلوها عبر العصور من خلال تجربة السرد في الفضاء العام، عند طريق أداء الحكواتي والمنشد والشاعر أيضاً.
مثال على ذلك "السيرة الهلالية" التي تعدد منشدوها ورواتها، وحظيت بالمسرحة والإنشاد مثلما فعل محمود زين وقبله سيد الضوي وفتحي سليمان، والكتابة الشعرية كما فعل الأبنودي، ولم يحدث وأن قدّمت النساء رؤية حول السير الشعبية لبني هلال أو غيره من أبطال التراث المحكي، أو اعتلين المسرح وأدين الحكاية.
لأول مرة تقيم مبادرة "نافذة على الجنوب" تجربةً في تقديم السيرة الهلالية على لسان منشدات ومؤديات، في أمسيةً بعنوان "السيرة الهلالية بحكي ورواية نسوية" عند السابعة والنصف من مساء غد السبت، على مسرح "قاعة الكلمة" في "ساقية الصاوي" بالقاهرة.
الراوية الأساسية هي نهال الهلالي ويرافقها فريق "بنات السيرة" الذي يضمّ كلّاً من شيماء النوبي وبسمة أحمد ونرمين العراقي، ورغم أن المحاولة تُعد مساراً جديداً للمروية ذاتها، لكن المؤديات تلقّين التدريب بإشراف الشيخ زين محمود، ولكن ألم يكن من الأفضل أن تقترح المرأة الراوية نسختها بعيداً عن سلطة ورؤية أحد أفضل رواة السيرة الهلالية؟
تقتصر الأمسية على جزء "رزق ابن نايل الهلالي"، وفيها بداية السيرة الهلالية وأسباب تغريبة بني هلال وأسباب الحروب، حيث تؤدّيه الحكواتية نهال وتشاركها "بنات السيرة" بالغناء.
ُيذكر أن مبادرة "نافذة على الجنوب"، انطلقت في 2016، وتتناول الثقافة الشعبية في الصعيد العلوي والجواني، حيث تعرض تاريخ القبائل والعادات والتقاليد والسير وغيرها.