في تجهيل "العامة"

11 سبتمبر 2018
(الشابي في عمل لـ علي رضا سعيد/ العراق)
+ الخط -

صدرت مؤخراً "مذكرات الشابي" مُترجمةً من العربية إلى... الدارجة التونسية. وفي البادرة غرابةٌ، وهي تثير شجوناً حول الهُوية والنخبة والتلقي وغيرها من أسئلة النصوص الأدبية وحياتها، لم تثرها قبلُ بادرة شبيهةٌ، نُقل خلالها الدستور التونسي الجديد (2014) إلى العامية، بذريعة أنه قد لا يصل إلى الأفهام في صيغته الرسمية، والأجدى إتاحته لأكبر شريحة ممكنة.

وتحمل تَوْنَسة "مذكرات الشابي"، رغم براءتها الظاهرة، الكثير من المضمرات: فهي تفترض تقسيم جمهور القراء إلى "خاصة" توجَّه إليها النص الأصلي، و"عامة" لا تقدر على النفاذ إلى دلالته وجماليته، في سجله الفصيح، لذلك توجَّب تبسيطه.

كما تفترض أنَّ "المذكرات"، على سلاستها، منقطعةٌ عن اللهجة المحكية، مغايرةٌ بالكلية لها، في حين أنَّ معجمها لا يبعد، بهذا القدر الموهوم، عن اللهجة التونسية. ولا يخفى أنَّ نقل مثل هذه النصوص من حقل الأدبية بما فيه من كثافة مجازية، إلى دائرة العموميات والمباشرة، يقتل كيمياء العناصر الشعرية، وهي جوهرٌ، كالتراكيب والصور.

وتشي هذه المضمرات، ولعلها ذرائع، بمواقف أعمق تفضّل اللهجات على الفصحى، وتذكّرنا بدعوات، خِلناها خَبَت نهائياً، إلى استعمال المحكيات في الأدب والتعليم والقضاء بدل الفصحى، ضمن رؤية دشّنها الاستعمار في محاولة لقطع البلاد عن محيطها القومي وتراثها الثقافي.

تعيدنا بادرة ضياء بو سالمي إلى المربع الأول. ولكننا، في المدى المنظور، نرجِّح أن تبقى "مذكّرات الشابي" مقروءة في نصها الأصلي الفصيح، أكثر من ترجمتها العامية. ولجمهور القراء الكلمة الفصلُ.


* "مذكرات الشابي"، منشورات "دار أبجديات" في تونس، نقلها من الفصحى إلى العامية ضياء بوسالمي.

دلالات
المساهمون