استمع إلى الملخص
- منى باسيلي صحناوي، أول مصممة غرافيكية أكاديمية في العالم العربي، كرمت لإسهاماتها في الهوية البصرية اللبنانية، مع تسليط الضوء على أعمالها التي تجمع بين الرموز الميثولوجية.
- الكتب تبرز أيضًا منير الشعراني وناجي شاكر لتجديدهما في الخط العربي والتصميم الغرافيكي، مؤكدين على دورهما في تطوير الفنون البصرية وتأثيرهما المستمر في العالم العربي.
احتضن "متحف سرسق" في بيروت، مساء الجمعة الماضي، ندوةً أُطلِقت فيها ثلاثة كتُب ثنائية اللغة (بالعربية والإنكليزية)، من سلسلة "مكتبة التصميم العربي" التي تُصدرها مؤسّسة "خطّ بوكس" في أمستردام. قدّم الندوة ثلاثة باحثين: هيثم نوّار وهدى سميتسهوزن أبي فارس وياسمين نشّابة طعّان، الذين تناولوا تجارب ثلاثة خطّاطين ومُصمِّمين عرب، امتازت أعمالهم بـ الفرادة وصاغَت ما يُشبه المدرسة أو التيّار المُمتدّ بين القرنَين العشرين والحادي والعشرين.
خُصّصت المُداخلة الأولى للحديث عن تجربة المُصمِّمة اللبنانية منى باسيلي صحناوي (الإسكندرية، 1945)، التي قدّمتها نشّابة طعّان من خلال كتابها "منى باسيلي صحناوي: أوّل مُصمّمة لبنانية تُوسِّم بلدها"، مُوضِّحة كيف انتقلت الفنّانة مع أُسرتها في أوائل الستينيّات إلى لبنان، حيث التحقت بـ"الجامعة الأميركيّة" في بيروت، ومنها إلى "جامعة أريزونا" الأميركية حيث حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة في التصميم الغرافيكيّ.
كانت منى صحناوي أوّل عربية مارست التصميم الغرافيكي
ولفتت المُتحدِّثة إلى أنّ "منى باسيلي صحناوي هي أوّل مُصمِّمة غرافيكيّة أكاديمية تُمارِس المهنة في المنطقة العربيّة"، مضيفةً أنّ "مناقشة إنتاجها البصريّ تفضي إلى إثبات كيف أنّ ذات المرأة تجلّت في سياق التحدّيات الثقافيّة في الزمان الذي عاشت فيه، كذلك فإنّ إنتاجها في التصميم الغرافيكيّ بـ'المجلس الوطنيّ للسياحة' كوّنَ الهويّة البصريّة اللبنانيّة، وواصل التأثير في أعمالها خلال السنوات التي تلت عملها مصمّمة غرافيكيّة في وزارة السياحة اللبنانيّة".
ولو تصفّحنا الكتاب، الذي يقع في مئة وستّ وسبعين صفحة، لوجدناه يُضيء انطلاقة باسيلي صحناوي الفنّية في أوائل سبعينيّات القرن العشرين، عندما كانت مسؤولة عن قسم فنّ التصميم الغرافيكيّ في "المجلس الوطنيّ للسياحة"، حين صمّمت الشعار الشعبيّ الذي يُمثّل لبنان على جميع المنشورات الصادرة حتى اليوم عن وزارة السياحة. كذلك صمّمت العديد من الطوابع والمُلصقات وكُتب الترويج والنشرات التي جرى تداولُها قبل الحرب الأهليّة، ولا تزال وزارة السياحة تستخدم العديد منها حتى يومنا هذا. ويُتيح الكتاب الاطّلاع على أكثر من مئة عمل وقّعتها باسيلي صحناوي بين أواخر الستينيّات وأوائل الثمانينيّات، حيث جمَعت في أسلوبها بين الرموز والأساطير الميثولوجيّة البيزنطية والفارسية والفينيقية، وكانت أعمالُها جزءاً من مُقتنيات المتاحف المحلّية والدولية والمجموعات الخاصّة.
أمّا المداخلة الثانية، فخُصِّصَت للخطّاط السوري منير الشعراني (السَّلَميّة، 1952)؛ حيث عرضت هدى سميتسهوزن أبي فارس الكتاب الذي وضعته عنه بالاشتراك مع الباحثة المصرية نجلاء سمير، تحت عنوان "منير الشعراني، عكس التيّار: استكشاف آفاق الخطّ العربي". في الكتاب، الذي يقع في مئة وسبعين صفحة، ملامح سيريّة تُؤطِّر رحلة الفنّان السوري الذي بدأ تعلُّم الخطّ في سنّ مبكّرة على يد الخطّاط السوري محمد بدوي الديراني (1894 - 1967).
وتتتبّع المؤلِّفتان في كتابهما سيرة الشعراني باعتباره أحد خرّيجي الدفعة الأُولى من برنامج التصميم الغرافيكي في كلّية الفنون الجميلة بـ"جامعة دمشق" عام 1977، بعد أن درس على يد رائد التصميم البارز عبد القادر أرناؤوط (1936 - 1992)، ثمّ انتقل إلى بيروت حيث عاش ثلاث سنوات، وعمل لدى عدّة دور نشر مثل: "ابن رُشد" و"دار الكلمة"، قبل أن يُكلَّف إنجاز سلسلة من أغلفة الكُتب لصالح "المؤسّسة العربية للدراسات"، حين أصبح المدير الفنّي لها خلفاً للتشكيلي المصري حلمي التوني.
أثّروا في أجيال من المُصمّمين خلال القرنَين الماضي والحالي
وتُخصّص أبي فارس وسمير فصلاً في كتابهما بعنوان "المقاومة من خلال الحروف وتصميم الخطّ"، تريان فيه أنّ "مقاومة الشعراني لتقليدية بعض الحروفيِّين بدأت بالردّ على ذرائعهم لرفض عصرنة الخطّ العربي". تكتب الباحثتان: "خلافاً لمعظم الخطّاطين المُعاصرين ولزملائه، عمل الشعراني عبر اهتمامه بتحديث الخطّ العربي على إحياء وإعادة بناء بعض الأساليب الخطّية القديمة، المسكوت عنها وغير المستخدمة، مثل السُّنبُلي، والكوفي النيسابوري، والكوفي القيرواني، والكوفي المشرقي، والمغربي المبسوط، والكوفي الفاطمي، والكوفي المربّع. فخَطَّ أولاً كلمات مستوحاة من المخطوطات القديمة، ثم مضى أبعد من ذلك فقام بتطوير وابتكار أبجديات كاملة".
يقف الكتاب أيضاً عند تجربة الشعراني، عام 1981، في تصميم خطّين طباعيّين: الكرمل 1 و2، حيث استخدم خطّ المجلّة و"خطّ الكرمل 2" كخطّين رئيسيّين لـ"مجلّة الكرمل" الثقافية عند صدورها الأوّل في بيروت عام 1981، وخطّي الكرمل 1 و2 عند عودتها إلى الصدور في قبرص عام 1983. وخُتم هذا الفصل بمجموعة ملصقات رقمية صُمّمت تفاعلاً مع الأحداث السياسية في سورية والمنطقة العربية اشتغلها الشعراني خلال العقد الماضي، من بينها: "الحرّية للمغيّبين والمعتقلين"، و"الحرّية للسودان"، و"الجولان سوري وسيبقى"، و"مع غزّة"، و"السلامة للجزائر".
"ناجي شاكر: فنّان غرافيك تجريبي من الطليعة المصرية" عنوان الكتاب الثالث في السلسلة، الذي قدّمه في الندوة مؤلّفُه الباحث المصري هيثم نوّار، لافتاً إلى أهمّ محطّات حياة رائد التصميم المصري (1932 - 2018)، "الذي يُعدُّ الأب الرّوحي لفنّ الدُّمى منذ أن بدأ يشتغل عليه في خمسينيّات القرن الماضي، ولعلّ أوبريت 'الليلة الكبيرة' (1960) أبرز عروضه التي ارتبط اسمُه بها".
ووفقاً لكِتاب نوّار، فإنّ "شاكر أثرى المسرح والسينما المصرية بديكورات وأزياء مُتميّزة، كما عمل في التصميم التحريري في 'دار الهلال' وغيرها، إلى أن أنشأ استوديو التصميم الخاصّ به عام 1980، ونفّذ العديد من مشاريع التصميم الغرافيكي لليونيسف وللسينما ودور النشر. وأحدثت حلولُه التصميميّة تحوّلاً في عالم مُلصقات السينما من خلال فهمها العصري". وبالإضافة إلى كونه عرضاً شاملاً لمشاريع التصميم المختلفة التي وقّعها ناجي شاكر، يُطلُّ الكتاب أيضاً على شخصيّة المُصمّم المصري الراحل من خلال مقابلات أعدّها نوّار مع مقرّبين منه، بخاصّة جيل المُصمّمين الذين تتلمذوا على يديه، وهُم اليوم في طليعة المشهد البصري المصري.