لم تستمر الحالة طويلاً، إذ سرعان ما أغلقت المدرسة أبوابها عام 1922 على يد السلطات التي أرادات فناً يبشر بأهدافها وأيديولوجيتها فقط، رغم أن بعض الفنانين المنخرطين في هذه الحالة بقوا حاضرين في المشهد التشكيلي الروسي حتى بداية الثلاثينيات من القرن الماضي قبل أن يتفرقوا في أنحاء أوروبا.
"شاغال، ليسّيتسكي، ماليفيتش، المدرسة الطليعية الروسية في فيتسبك 1918 – 1922" عنوان المعرض الذي يتواصل في "مركز بومبيدو" في باريس حتى مساء السادس عشر من الشهر المقبل، ويضمّ 250 عملاً فنياً ووثيقة تؤرّخ لتلك المرحلة تمّت استعارتها من متاحف في موسكو وسانت بطرسبورغ ومنسك وأوروبا.
يتناول المعرض حلقة مجهولة من تاريخ الفن الطلائعي الروسي، حين التقى مارك شاغال باثنين من فناني التجريدية هما إل ليسّيتسكي وكازيمير ماليفيتش ليعملا سوية لكن كلّ منهم حافظ على أسلوبه الخاص والمختلف.
قدّم شاغال (1887 – 1985) أعماله التي يحلّق فيها بشر وكائنات في فضاءات حالمة فوق مناظر رمادية مسطحة، وكان تشير إلى إحساسه بالتحرّر بعد أن انتصرت الثورة التي ظلّ ينتظرها طويلاً، أما ماليفيتش (1879 – 1935) فكانت بداياته انطباعية ثم انتقل إلى التجريد في أعماله التي سمّيت باللا موضوعية، حيث هيمنت عليها تكوينات لونية حادة، وتتألف أشكالها من عناصر أسطوانية وبدائية وأشكال هندسية ولم يكتف بالرسم على الكانفس بل قدّم التجربة ذاتها على النسيج والزجاج، قبل أن يعود إلى الواقعية الاشتراكية في أواخر حياته.
وذهب ليسّيتسكي (1890 – 1941) إلى تجريد أكثر دينامكية مستعيراً عناصر تتعلق بوعي أكبر للهندسة عبر خلق توازن للكتل والأحجام واللون والفضاء والإيقاع، كما أدخل الطباعة في أعماله التي كانت تشتمل على عنصر الكتابة.
ترك شاغال موسكو وهاجر إلى أوروبا ثم أميركا بينما بقي رفيقاه الذين كوّنوا حولهم مجموعة تضمّ العديد من الفنانين الذين تاثروا بهما مع تنوّع أساليبهم مثل مستيسلاف دوبوجنسكي، والتصويري روبرت فالك، والأكاديمي يوري بين، وإيفان بوني، وفيرا إيرمواليفا.
يسلّك المعرض الضوء على كلا المرحلتين التي يمكن أن توصف الأولى بأحلام التجديد التي أتت مع الثورة، والثانية بالتجديد كما رآه بعض الفنانين بعد قيام الدولة التي عبّروا عن ريادتها ودورها الاجتماعي من وجهة نظرهم.