حلمي التوني.. بهجة البنفسج وآلامه

28 مارس 2018
(من المعرض)
+ الخط -

تمثّل لوحة الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني (1934) خلاصة اختباراته المتعددّة التي خاضها خلال أكثر من نصف قرن في تصميم العرائس وأغلفة الكتب والمجلات وملصقات المسرحيات والأفلام والرسم والغرافيك والكاريكاتير والفوتوغراف، مؤسّساً لأسلوبه الخاص في استحضار الحياة الشعبية في مصر.

شكّلت دراسة صاحب كتاب "مناظر مصرية" (2006) للديكور المسرحي في "كلية الفنون الجميلة" واهتمامه في الزخرفة، خلفية استند إليها في التعامل مع اللون كعنصر أساسي في معظم أعماله والتي تبرز فيها أيضاً مشهدية درامية ضمن منحى تسجيلي لكنّها محمّلة بالتأويل ضمن توظيفٍ للتراث ورموزه في مراحل تاريخية مختلفة.

استكمالاً لتجربته السابقة، يُختتم معرض التوني اليوم في "غاليري بيكاسو" في القاهرة تحت عنوان "ليه يا بنفسج؟"، والذي افتتح في السادس عشر من الشهر الجاري، مستمداً عنوانه وثيمته الرئيسية من أغنية الفنان صالح عبد الحي التي كتبها بيرم التونسي ولحنها رياض السنباطي عام 1930.

المفارقة التي تقدّمها الأغنية حيث "البنفسج يمنح البهجة رغم أنه زهر حزين"، يذهب بها الفنان أبعد ذلك، فهذا الزهر الذي يوضع فوق القبور ويحمل في الجنائز، ويشير في الأدب العربي إلى الألم والموت، هو مصدر استكشاف البهجة والدهشة التي من فرط تآلفنا معها قد لا نراها أو نحسّ بها.

من المعرضتعكس لوحات المعرض مناخات استقّر عليها الفنان منذ زمن؛ استعادة الماضي في أيقونات تعتمد بساطة التكوين حيث المرأة مركزها دائماً، في احتفاء لوني بأزيائها وإكسسواراتها من أساور وخلاخيل وأقراط، وكامل المشهد الذي تؤثثه أكواب المشروبات الشعبية، والبيوت القديمة والأرابيسك والزخارف أو الكتابات من حولها.

ولا يغيب عن أعماله الهدهد، والبيضة وزهرة اللوتس، وهي جزء من عالم التوني يضاف إليها في تجارب أخرى السمكة والنورس، وغيرها من الرموز التي يستوحيها من جدران المعابد والمقابر الفرعونية والرسوم والأيقونات القبطية، فالهدهد يلازم المرأة في أكثر من عمل وكأنه يشير إلى الخلود حيث تحرّم الأديان قتله، أو إلى قدراته في استبصار ما لا يراه الإنسان كما يحضر في الموروث الأسطوري.

هناك إصرار على إبراز تباين بين تعابير وجه النساء الذي يظهر في كثير منها هادئاً وأقرب إلى الحزن أو الاستسلام أو حالة الانتظار بما في كلّ منها من هروب عن الواقع نحو الحلم، لكن ثمة ملمح آخر يوحي بالصلابة والقوة ورغبتهن الشديدة وتمسّكهن بالأمل، وفي هذه المساحة الواعية من التضادّ تتكرّس الرؤية النهائية لمجمل ما يقدّمه الفنان، حيث التلقائية والعفوية تتجاور مع سردية بصرية تستدعي معنى وجودنا صدفة في الحياة وداخل اللوحة.

تتكرّس تلك الخلاصة في بحث عن معاني الحرية المتناقضة في معظم أعماله؛ فالمرأة التي تنطلق في اللهو والمرح والعزف على الكمان والنقر على الدف والغارقة في أحلام اليقظة، هي ذاتها التي تظهر معصوبة العينين في لقطة تتكرّر في أكثر من معرض أقامه خلال السنوات الأخيرة، أو المشدودة بلباسها من عند الكتفين والظهر ويحيط بأذرعها وأرجلها حلى ومصاغ كأنها قيد، لتمثّل نفس القطعة الاستلاب لحالة معينة والتوق إلى التحرّر منها في آن.

لتجسيد هذه الفكرة، تحضر دوماً مفردات دالّة عليها مثل البيضة التي تشير إلى رغبة دائمة في العودة إلى لحظة بدء الكون، والتخلّص من كلّ تلك القيود والحجب والأغطية التي نتجمّل ونتزيّن بها.

يُذكر أن حلمي التوني يعمل في الصحافة المصرية منذ ستينيات القرن الماضي، وأقام معارض جماعية وشخصية عديدة في فرنسا وألمانيا والبرتغال واليابان والعراق وسورية ولبنان ومصر. له عدد من الكتب؛ من بينها: "الحياة" (1998)، و"عروسة حنان" (2008)، و"بيت العز" (2009).

المساهمون