ريم بنّا.. رثتنا ساخرة من ضمائرنا

25 مارس 2018
(ريم بنا)
+ الخط -
الموت ليس هو القصة، رغم أنها فيه... كما الوطن أيضاً لا يصير قصة، قبل أن يُحال رواية ظّلنا، آخذاً بيدنا كأحباء أخيرين في عالم يعيش موتاً، أو مواتاً تحت ظلال دفيئة، اشتهاء التين تقطفه يدان صغيرتان عند فجر زمن آخر، بدهشة أنامل تداعب طراوته.

ليس لإنسانٍ يموت حلماً، بل أحلاماً وروايات واستعادة، أقلّها على جدران الموات العربي، ألا يموت طفل وامرأة، حرقاً أو جوعاً أو غرقاً، والناس قهراً... وشعب، أو اثنان، في صبرهما ما يوجع الضمائر.

سؤال يخطر للسائر نحو يد موت يدعوه باهتزاز: هل سيذكرني الجمع حين أغادر مزحة الحياة؟ يؤرقني، أنا العاشق لكل ما ورائيات هلام العقول و"صبرنا"، ونداءات عجزنا، وأسماء ماضينا... تفاخراً بنسبٍ، وبغير كلّ أحاسيس الظلم.. في غياب أقلّ نقائضها: العدل... عن أية عدالة بحثت سيدة بهذا الجمال، ودّعوها بجملة سقيمة وغير عادلة: "بعد صراع مع المرض"؟

من قال لناحتي الجملة إن ثمة صراع؟ ثمّ عن أيهما مرض؟ أهو السرطان، أم الذي يخاف اسمه من ينحت من ثقافة الخوف...

ريم بنّا، ابنة الناصرة... مدينتي الأولى في الولوج؛ عائداً ذات يوم من جنين إلى الجنين، قبل أن يلفظني وجع مربعات سجن رام الله، وتشيؤ من عرفتهم، في جعبتها أكثر من صوت وكلمات... قد تحب أنت وتصمت... لكنها أحبت وما سكتت، الشجاعة ها هنا... وأعترف بأني في أكثر من حب جبان. رحلت ذات يوم روضة عطا الله، سيدة أخرى من زمن فلسطيني استنهض من شارع في الناصرة بعض حب... وكأن نقائض كثيرة تقول: هاتوا أجمل ما عرفتم لتتعذبوا قليلاً... أكثر.

هي إذاً ريم التي ساقت في طريقها ما تاقت إليه نسوة وفتيات، منطوق الجمال ولكنة البلاد في ظلال أخرى، في وطن وفي شتات... وفي التشيؤ النازل على "مربعات الوطن" صنعوا لدرويش أيضا مزاراً... لم يتذكروا منه سوى ترداد "ما يستحق الحياة"... فالزمن آخر، زمن التصنيفات.

الصراع، في مرثية ريم لضمائرنا جميعاً، أبداً ليس مع "المرض"... غزالة أمّها البيضاء، المرتحلة بذاكرة ضياع عقدين مِن ترْك الممسكين برقاب الناس والقضية يوغلون انهيارات. ودّعت بعتب ضمائرنا، في موات فردي وجمعي. هي تطلب حقاً أن تحرق لتخلط ببنزين يحرق الظالم... إشارة ليست بطولية، بل هو الوجع، وليس صراعاً...

كل الكلام عن ريم بنّا يقف عاجزاً عن متابعة سيرة الغزالة التي فهمت الوطن والضمير، الواجب والحب، والأخير ليس "لتستنفر البلاد من أجلها". كتبت ريم عبء كل الأشياء، كل الأفعال، كل العجز والملذات، عبء كل الأشياء التي جعلتنا كـ"ريشة طائشة خفيفة"، وبين "حد سيفين". ينفض الحلم بعض الغبار عن أناقة في "غيبوبة التأمل"، وفي "نهاية ساخرة"، في عبء "لا يحتمل أرق مألوم" خطت كل الألم والأمل، لغيرها وليس لها. يا لها من سخرية بنا جميعاً، بلا استثناء، تشفق علينا في أن نترحم على أنفسنا؛ "أنا بخير.. لكن كل ما حولي ليس بخير".

دلالات
المساهمون