عند تتبّع الإعلام المرئي السوري الذي تأسّس خلال السنوات السبع الماضية، نلاحظ أن الثقافة لم تكن في مقّدمة اهتماماتها، بل يمكن القول إنه في أحيان كثيرة جرى تهميش المقاربات الفكرية المعمّقة لصالح قراءات سياسية يميل بعضها إلى السطحية.
في حديثه لـ"العربي الجديد" يرى علي سفر مدير البرامج في "سوريا"، أنه "لا يمكن فصل المحتوى الثقافي عن رؤية القناة تجاه دورها في السياق العاصف الذي وجد السوريون فيه أنفسهم، وإذا دقّق المشاهد بالشعارات المطروحة سيرى أنها كلها ذات بعد ثقافي حياتي يتصل بالسياسة".
يضيف: "الأسئلة التي يطرحها المثقفون السوريون لم تعد هواجس شخصية، بل صارت جزءاً من أزمة عامة تحكم البلد كلّه، وتطمح القناة لأن تكون منبراً للتعبير عن هذه الأسئلة وفي نفس الوقت لديها هاجسها الذي يتعلّق بفكرة سورية الموحدة التي يجب الحفاظ عليها".
يلفت سفر إلى أن ما يحكم عمل القناة هي "ثوابت راسخة مثل الحريات وضرورة أن ينفتح المثقف السوري تجاه مواطنه، وألا يبقى حبيس خوفه، واستعادة الإرث الثقافي السوري لنعيد تظهيره بعيداً عما لحق به من تشوّهات بسبب دوام فترة الاستبداد لعشرات السنين".
في المرحلة الأولى لانطلاق المحطّة، سيكون هناك برنامج ثقافي أساسي هو "المنعطف" يقدمه الكاتب والإعلامي أنس أزرق، وآخر موسيقي فني اسمه "مع رشا" يبنى على الثقافة الموسيقية في سورية ستقدمه الفنانة رشا رزق، وفي المجلة اليومية "لم الشمل" هناك حصة كبيرة لتغطية الأنشطة الثقافية، وأيضاً هناك متابعات مسرحية وسينمائية وأدبية.
يؤكّد سفر على أن "فريق العمل يحاول ألا يضع نفسه في مواجهة مع أي من وجهات النظر الثقافية المتعارضة، ولاسيما في القضايا التي تتصل بالشأن السوري، لكن علينا ألا نغفل وجود هذه التعارضات، والسعي من أجل أن يكون للمثقف حقه في إبداء وجهة نظره، ولكننا بالتأكيد لن نكون منبراً لأولئك الذين يؤيدون النظام، فهؤلاء باتوا في مواجهة أيضاً مع أوليات ثقافية، إذ لا يمكن أن يكون الشاعر شاعراً حقيقياً وهو يؤيد القتلة، وهذا ينطبق أيضاً على من يؤيدون التنظيمات المتطرفة التي قتلت الروح في المناطق التي سيطرت عليها".
يتابع "الحالة السورية مركبة، والمعركة الثقافية التي كانت قائمة سابقاً مع التجهيل، تمتد ّفي زمن الثورة لتصير هي ذاتها المعركة مع النظام الدكتاتوري الذي أثخن في السوريين، ويمكن لتلفزيون "سوريا" أن يقدم الكثير، فهو منبر يوجد من أجل إفساح المجال للصوت المغاير أن يحصل على حقه في الكلام، ولا يمكن له أن ينسى دوره في الحفاظ على الإرث الثقافي السوري، وفي الوقت نفسه عليه أن يكرّس الرواية الحقيقية لما جرى في سورية طيلة السنوات الماضية، فالحفاظ على هذه السردية هو جزء من معركة السوريين مع الطغيان، وهذا فعل ثقافي بالدرجة الأولى".
يختم علي سفر بقوله: "لدينا عمل كثير، وكأننا نبني الأشياء من جديد بعد أن سعى النظام طيلة الفترة السابقة إلى تشذيرنا، وتهشينما، وجعلنا أقواماً من المنفيين الرحّل".