عن متاهة التقدّم العلمي

22 اغسطس 2017
مقطع من لوحة لـ جيروم بوش (1450 - 1516)
+ الخط -

كان أحد مؤسسي علم الاجتماع، إميل دوركايم، يؤكّد على أن دراسة التمثلات الجماعية وتحليل الرأي، وهما شكلان يمكن تصنيف المعتقدات الجماعية تحتهما، جزءٌ لا يتجزّأ من الطموحات التي ينبغي أن يحققها "العلم الجديد".

رغم هذا الإعلان الصريح عن النوايا، حين ننظر إلى ما أُنجز حول هذا الهدف المؤسّس لن نجد الكثير. لقد ظلّ هذا التخصّص غير ممثّل في مختلف المؤسسات التي تُعنى بعلم الاجتماع مثل "الجمعية الدولية لعلم الاجتماع" أو "جمعية علماء الاجتماع الناطقين بالفرنسية"، كما لن نجد موقعاً في أي جامعة يُسمَّى "عالم اجتماع معتقدات".

لكن علينا أن ننتبه أنه رغم كل ذلك ليس صحيحاً القول بأن ثمة نقصاً في الأعمال حول المعتقدات الجماعية، إذ إن تخصّصات فرعية أخرى انشغلت بالمسألة مثل علم اجتماع الأديان ودراسات الأيديولوجيات السياسية وعلم اجتماع الشائعات وغيرها.. ببساطة، تفرّق دم المعتقدات بين تخصّصات عدّة، أو ربما بدا دائماً موضوعاً كبيراً بحيث يفضّل ألا يخصّص له فرع علمي يرسم له حدوده.

بقي الأمر معلقاً هكذا حتى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، حين بدأ علم اجتماع المعتقدات يصبح مرئياً. وقد كان ذلك بفضل انتشار نظريات المعرفة Théories cognitives في أكثر من مجال في العلوم الإنسانية مثل علم النفس والأنثروبولوجيا، ومنذ ذلك الوقت ظهرت ديناميكية في المجال وتنوّعت داخله الحساسيات والمقاربات التي تصبو إلى فهم المعتقدات الجماعية.

لكن الناظر في مشهد علم اجتماع المعتقدات اليوم، سيجد وأنه على عكس ما يمكن تصوّره من خلال يوتوبيا التقدّم التي أرساها عصر الأنوار، ووجدت ازدهارها في القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن المساحات التي تفتكّها المعرفة ليست دائماً مربوحة على حساب المعتقدات التي تبدو ذات نزعة إمبراطورية.

يعني ذلك أن العلم، كشكل رئيسي من أشكال المعرفة، لا يزال بعيداً عن إزعاج الحياة الهنيئة للمعتقدات، بل على العكس يمكن القول إن المعتقدات تستغلّ العلم كي تصير خصبة أكثر، فهي تدفع بحجج جديدة لمعتنقيها وتخترع لنفسها مصداقية جديدة وأحياناً يساعدها العلم كي تظهر في أشكال أخرى.

كما أن إسقاط العلم لمعتقد ما قد يفسح المجال لآخر، فمثلاً حين جرى إثبات كون الأرض ليست قلب الكون ومحورها، فُسح المجال لظهور معتقد بوجود كائنات فضائية يمكنها أن تأتي إلينا أو أن نذهب إليها. هذا المعتقد الكبير للقرن العشرين الذي اشتغل عليه العلم والأدب والسينما لم يكن ممكناً وجوده لولا "التقدّم العلمي".


* من مقال بعنوان "راهن المعتقدات الجماعية" نُشر في مجلة "السنة السوسيولوجية"، 2010.
** ترجمة: شوقي بن حسن
المساهمون