"السفور": استعادة باهتة

09 مايو 2017
(القاهرة عام 1930، تصوير: هلتون)
+ الخط -
مع عودة الجيل الثاني من الطلبة المصريين الذين ابتِعثوا للدراسات في أوروبا مطلع القرن العشرين، لم تعد دعوات التحديث والليبرالية مقتصرة على مراسلات بين المتفقين والمختلفين عليها، إذ بدأت النخب الجديدة تشتبك مع المجتمع وقضاياه، وكانت الصحافة والجامعة أهمّ ميدانين لهما.

تبدو مجلة "السفور" التي تحتفي وزارة الثقافة المصرية بجمع أعدادها، التي نُشرت بين عامي 1915 و1922، في كتاب يُعلن عنه غداً في مؤتمر صحافي، الأثر الأبرز الذي يوثّق أكثر المقالات جرأة في نقد الموروث الاجتماعي والديني في تاريخ مصر الحديث.

لا يُمكن فصل تأسيس هذه المطبوعة على يد عبد الحميد حمدي وتوقّفها عن التحوّلات التي عاشتها القاهرة خلال قرن مضى، فرغم تركيز كُتّاب "السفور" على حريّة المرأة واتخاذهم خلعها للحجاب رمزية تحيل إلى آراءهم في التغيير، إلا أنه يمكن القول إن أفكارهم لم تجد تقبّلاً كاملاً إنما أنتجت بمساهمة عوامل أخرى تسوية قادت إلى التحاق النساء بالتعليم والعمل وتكريس أحزاب ونقابات وقادة رأي أحدثوا نهضة اجتماعية وفكرية وثقافية.

النهضة الثانية التي أجهضت في مصر والعالم العربي كانت على يد الانقلابات العسكرية التي شهدها مع خمسينيات القرن الماضي، حيث سعت إلى السيطرة التامّة على مجتمعاتها، فكانت الحريات الفردية والجماعية هي المتضرّر الأول، ثم أدّى إخفاق هذه الحكومات في مشروعها التحرّري الوطني إلى تحالفها منذ سبعينيات القرن الماضي مع قوى دينية محافظة، ما سبّب تنامي تيارات التشدّد والتعصّب في أكثر من بلد عربي.

لكن اندلاع الانتفاضات العربية قبل سنوات، أعاد التفكير مجدّداً لدى بعض الأنظمة العربية، وفي مقدّمتها مصر، إلى حمل شعار "التنوير" في مواجهة خصومها من حركات الإسلام السياسي، ومحاولة الإيهام إلى أن السلطة الحالية هي امتداد طبيعي لاتجاهات حداثوية وعلمانية راجت في القرن الماضي.

في هذا السياق، تعيد "هيئة الكتاب المصرية" إحياء مجلة "السفور"، التي صدر العدد الأول منها في يوم الجمعة، الحادي والعشرين من أيار/ مايو 1915، وتضمّنت مقالات لـ محمد حسين هيكل ومصطفى عبد الرازق وطه حسين ومحمد تيمور وعلي عبد الرازق ومنصور فهمي وحسن محمود، وسواهم.

لمن سيوزّع المجلّد الذي يضمّ أعداد المجلة الـ 31، وهل تجد موضوعاته صدى في المجتمع اليوم؟ وهل سيجري التركيز على الكتابات التي تنتقد رجال الدين وتتغافل عن تلك التي ترفض التدخّل الرسمي في التعليم والإعلام والثقافة والشؤون العامة، بل هل يمكن السماح اليوم بصدور مطبوعة تشبه "السفور"؟ أسئلة كثيرة تفضي إجاباتها إلى أن السلطة تهرب إلى الماضي حين لا تجد ما تقدّمه في لحظتنا الراهنة.

دلالات
المساهمون