يعرض كتاب "محمد عابد الجابري: المواءمة بين التراث والحداثة"، الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، لأبرز مفاصل مشروع المفكّر المغربي الراحل (1936 - 2010) وتجلّياته؛ محيطاً بالآثار المختلفة التي أنجزها في مساره الفكري.
ساهم في تأليف الكتاب مجموعة من الباحثين المغاربة ممّن عايشوا الجابري عن كثب؛ إذ نطّلع من تلميذه كمال عبد اللطيف وحسن بحراوي، في الفصل الأول، على العلامات الكبرى في مساره الفكري، وعلى جوانب من سيرته الذاتية، وعلى معطيات من تنشئته التعليمية.
يُبرز الباحثان جوانب متصلةً بأطوار طفولته وتنشئته الاجتماعية وتكوينه التعليمي، معتمدين على بعض النصوص والشهادات من سيرته الذاتية "حفريات في الذاكرة"، فضلاً عن حضوره الرمزي المميّز طوال الثلث الأخير من القرن الماضي في منتديات الفكر المغربي والفكر العربي.
يرى الباحثان أنّ أعمال الجابري لا يُمكن أن تُفهَم، أو تُستوعَب، إلّا في إطار محدّدات ثلاثة، هي: تكوينه الأكاديمي، وانخراطه في السياسة من خلال "حزب الاتحاد الوطني للقوّات الشعبية"، وعمله في المجال التربوي في التدريس أوّلاً، ومن ثَمّ من خلال إشرافه على التدريس والتأطير في التعليم الثانوي والتعليم العام.
أما في الفصل الثاني، وهو بعنوان "محمد عابد الجابري وسؤال النهضة"، فيرى محمد نور الدين أفاية أن الجابري "تميّز بكونه قدّم إلى الدرس الفلسفي في المغرب وفي العالم العربي بعض مبادئ الاشتغال الإبيستيمولوجي والاهتمام المستمر بالاستعمال الملائم للمفاهيم".
في الفصل الثالث، يعرض محمد مزوز، في بحث بعنوان "منزلة العقل النظري في المشروع النقدي للجابري"، لـ "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي عند الجابري"، فيعرض خلاصاته الكبرى في محاولة لإدراك الكيفيات التي ركّب بها الجابري الملامح الكبرى لتكوين العقل العربي وبنيته، والتمكّن من معاينة بنية الأنظمة الفكرية التي صنعت تجليات الثقافة العربية في العصور الوسطى.
وفي الفصل الرابع، يسلّط محمد العمري الضوء على "الوظيفة البلاغية والرؤية البيانية في أعمال محمد عابد الجابري"، من خلال مقاربته مجالات البلاغة والبيان في أعمال الجابري، وتسليطه الضوء على المداخل الثلاثة لبلاغته، فيرى أن الباحث تمكّن من تجلية دور البلاغة في نظام العقل البياني، وانخرط في جدل بديع مع بعض مقدّمات الجابري، ولا سيما في موضوع ربطه البلاغةَ بالبيان.
يُختم الكتاب في الفصل الخامس ببحث لـ سعيد شبار، بعنوان "الجابري والقرآن الكريم: تجديد داخل التقليد"، في محاولة لاستكمال هذا العمل الهادف إلى الإحاطة بمجمل فكر الجابري ومشروعه في النهضة والتقدّم.
يقارب البحث مصنّفات الجابري في فهم القرآن، معتبراً أنها تقدّم جوانب من جهده الرامي إلى التعامل مع القرآن بطريقة مفتوحة على الفهم العقلاني؛ إذ يُبرز الجابري خلوّ القرآن من ثقل "الأسرار" التي تعبر أمور الدين خارج مجال العقل.
يوضّح الباحث كيفية فهم الجابري للقرآن، مشيرَين إلى اعتماده، أساساً، على جملة معطيات من السيرة النبوية، كما يعرضان معالجة الجابري لقضايا تتعلق بجمع المصحف تدويناً وترتيباً، وإعجاز القرآن والقصص القرآني.