سانتو دومينغو: ما جناه فلّاح نيكاراغوي

14 اغسطس 2016
(احتفالات "السيّد مناغوا" في نيكاراغوا، تصوير: هكتور ريتامال)
+ الخط -

ربّما كان يفكّر في أخذ استراحةٍ في منتصف نهار قائظ ككل نهارات نيكاراغوا، ذلك الفلّاح النيكاراغوي البسيط. كان يودّ إسناد ظهره إلى الشجرة، وكاد يفعل لولا أن شيئاً ما في جوف الشجرة أوقفه.

عام 1885 لم يكن عاماً عادياً في نيكاراغوا والبلدان المجاورة؛ ففي ذلك العام وجد الرئيس الغواتيمالي غرال خوستو روفينو باريوس طريقة لتوحيد بلدان أميركا الوسطى، ومن بينها نيكاراغوا. ويُقال إن "صديقنا الفلاح" قد وجد صورة للقدّيس سانتو دومينغو دي غوسمان في جوف شجرة في المزرعة التي يعمل فيها في منطقة السييراس جنوب مناغوا.

ورغم اختلاف المؤرّخين حول صحّة ذلك التاريخ وترجيح بعضهم أن ذلك حدث في آخر فترات الاستعمار الإسباني، إلا أن اختلاف التواريخ لن يغيّر من عقلية ذلك الفلاح البسيط.. تغيير التاريخ فعلياً لن يؤثّر على مسار القصة.

قام الفلاح، الذي غاب اسمه في غمرة "الاكتشاف الجديد"، بإحضار الصورة لسيّده الذي عرضها على قرويي المنطقة، مع أن "سادة الأرض" حتى في أيامنا هذه، لا يستشيرون عمّالهم.

القرويون، بدورهم، بدأوا حملة للبحث عن هوية القدّيس الظاهر في الصورة، فحملوها (الصورة)، واتّجهوا إلى "كنيسة بيراكروس". وهناك أخبرهم الكاهن باسمه، وبأنه مبشّر وواعظ عاش بين عامي 1170 و1221. فترك القرويون الصورة في الكنيسة وعادوا إلى منطقة سييراس التي تبعد عشرة كيلومترات عنها.

بعد فترةٍ وجيزة حدثت المعجزة. ومرّة أخرى، كاد فلاح بسيط أن يسند ظهره إلى الشجرة.. لكنه لم يفعل؛ لقد وجد الصورة ذاتها تعود إلى مكانها في نفس تجويف الشجرة بعد أن غادرت "بمفردها" الكنيسة!

قرّر القرويون حينها إقامة معبد لصورة القدّيس في المكان الذي وُجدت فيه، وإحضارها إلى قلب العاصمة مرّةً واحدة في العام للترويح عنها.

وفي الأول من آب/ أغسطس من كل عام، تُزيَّن الصورة المحفوظة في إطار خشبي طيلة كل هذه الأعوام، وتُحضَر إلى مناغوا لتبقى فيها عشرة أيّام يهرع خلالها الأهالي لتقديم النذور، إذ يقطعون مسافة عشرة كيلومترات مشياً على الأقدام، بعضهم حفاة، وبعضهم يمشي على ركبه. وفي العاشر من الشهر نفسه، يكتمل الاحتفال بإرجاع الصورة إلى مكانها، وتُعاد الطقوس مرّةً أخرى.

رغم أن أهالي المدينة يُصنّفون الاحتفال بوصفه دينياً، إلّا أنّه لا يأخذ من الكاثوليكية سوى اسم القدّيس فقط، إذ تبتعد طقوس الاحتفال تماماً عن الصلاة أو الدعاء أو ما شابه. والطريف، أنهم يُقدّمون للقديس رقصات مختلفة ويُكثرون من المشروبات الروحية أمامه، ويدهنون أجسادهم بالزيت الأسود والألوان المختلفة في أجواءٍ كرنفالية تعكس خلفية دينية وثقافية مختلفة. فمن بين الطقوس المقامة مثلاً، أن يرقص الأهالي "رقصة الثور" إذا ما استجاب القدّيس لرغباتهم.

ومن المشاهد المألوفة في الاحتفال مشهد زعيم القبيلة الهندي الّذي يُزّين نفسه بالريش استعداداً لهذا اليوم العظيم، حيث تحيط به فتاتان تحملان ملامح هندية تشاركانه الرقص أمام الصورة. وتبقى الغلبةُ دوماً للطابع اللاتيني الذي يستطيع تحويل أي أمر بسيط إلى كرنفال راقص وملوّن بأزهى الألوان، فهم كما يصفون أنفسهم "يتعلّمون الرقص قبل المشي".

بعد تلك الحادثة، أصبح القدّيس سانتو دومينغو دي غوسمان مُلَقّباً بـ "السيّد مناغوا". وعليه يُعَوّلون لحماية المدينة، بينما يحمل أهالي مدينة ليون القريبة من بركان موموتومبو تمثالاً آخر لقدّيسهم الخاص ويحضرونه أمام البركان إذا ما لاحظوا علامات ثورانه. وهكذا يتّخذ معظم الأهالي صنماً خاصاً بهم يُعتبر حارس المدينة.

طالما تساءل المؤرّخون، وتساءلتُ معهم، كيف تمكّن الأوروبيون من احتلال قارة كاملة بسرعة قياسية؟ هذه القصّة قد تعطينا جزءاً من الإجابة.


المساهمون