"متروبوليس" اللبنانية: جماليّات تواجه الخراب

04 يوليو 2016
من "العصفور الذهبي" للمخرج ك. راجاغوبال
+ الخط -

إنه احتفال مُقنع بجدواه. أن يستعيد المحتَفِلُ معالم اللحظة الأولى لبدء مسارٍ سينمائيّ، بتقديم جديد السينما في العالم، في صالةٍ تُواجه موتاً وخراباً، عبر الشاشة.

أن يكون المشهد معقوداً على عتمة الصالة، الأكثر إضاءةً من كل شيء آخر، خارجها. فالعتمة، في الجغرافيا العربية، قاتلة. والصالة، إذْ تعثر على نتاجٍ عربيّ موفًّق، تستكمل مسارها باحتفال يُشكّل لحظة تأمّل في أحوال الدنيا، بعيداً عن كل موتٍ وخراب مباشرين. مع أن "أروع" النتاج السينمائيّ، هو المنخرط في تفكيك العالم، لتبيان كل موتٍ وخراب فيه، ولمواجهتهما، وتفنيد حضورهما، وكشف مكامنهما المتفرّقة.

لم تنجح الحرب الإسرائيلية على لبنان، صيف العام 2006، في تحطيم إرادة شبّان، يختارون، قبل وقتٍ قليلٍ جداً على اندلاعها، الفن السابع كفعل مواجهة حتمية ويومية لموتٍ لبناني، ينخر في جسد البلد ومجتمعه، وروحهما.

ولم ينجح "حزب الله" ـ بفعلته المتمثّلة بخطف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى لبنانيين، فتندلع الحرب الإسرائيلية تلك ـ في إلغاء حلم السينما، كأسلوبٍ لمقارعة فسادٍ ينتشر في أمكنة البلد واجتماعه، وفي أرواح ناسهما أيضاً.

فـ "متروبوليس" لم تتوقّف، منذ انطلاقها قبل عشرة أعوام، عن ممارسة ثقافية وجمالية وفكرية، تتمثّل بالسينما، وتنفتح على ما تتيحه السينما من إمكانية ولوج عوالم متخبّطة، وانهيارات متعدّدة، وأسئلة معلّقة، عبر استخدام سويّ وسليم لأجمل تعبير إبداعي ممكن.
هي المنشغلة بكلّ همّ سينمائيّ لبناني وعربي تجديدي وشبابي أولاً، وبكلّ اشتغال إبداعي شبابي وتجديدي، أيضاً، يأتي من أنحاء مختلفة من العالم إلى الشاشة الكبيرة ثانياً، من دون تناسي كلّ ذاكرة مفتوحة على كلاسيكيات وملامح "أزمنة حديثة"، مصنوعة سابقاً، ثالثاً. باختصار شديد، تحتفل "متروبوليس" بالذكرى العاشرة لتأسيسها، وسط مزيدٍ من موتٍ وخراب، يستفحلان في تدمير جماليات اللغة المناقضة للعنف والانكسار، ووسط مزيدٍ من تمزّقات تُصيب كل شيء من دون استثناء.

فلبنان مُقيم على الحافة الأخيرة للحُطام النهائيّ، والجغرافيا العربية المحيطة به لا تعد بخلاص قريب، والعالم على حافة بركان لا يُعرف شيءٌ عن نتائجه وتأثيراته ومدى "غضبه".

لكن السينما، الأبدع في مواكبة هذا كلّه، تبقى اللحظة المطلوبة في مقارعة الجحيم المفتوح على الاحتمالات كلّها، و"متروبوليس" اللبنانية تبقى أحد الأمكنة الأنسب لاحتفالٍ يوميّ بما تصنعه الشاشات السينمائية، هنا وهناك.

لذا، فإن الاحتفال تحدّ، لن يختلف عن التحدّيات المستمرّة خلال الأعوام العشرة تلك. احتفال يؤكّد فعلاً جمالياً يتصدّى، يوميّاً، لمشاريع الموت والخراب.

احتفال لن يبقى أسير ذكرى، هي عملياً فعل حياة أيضاً، بل ينفتح على المقبل من الأيام، لمزيدٍ من مسارات إبداعية، تُضفي بعض الهناء البصري والروحي والمعنوي، في محيط لاذع بجحيمه.

دلالات
المساهمون