جلال الدين الرومي: صراع الورَثة بعد ثمانية قرون

04 يوليو 2016
مدفن جلال الدين الرومي، قونيا التركية، تصوير: جورج جانسون
+ الخط -

بينما تعيش شبكات التواصل الاجتماعي جدلاً حول ترشيح الممثّل الأميركي ليوناردو دي كابريو (1974) لتجسيد شخصية جلال الدين الرومي (1207 - 1273) في فيلم سينمائي أميركي يروي سيرته، يتواصل سباقٌ محمومٌ بين تركيا وإيران للظفر بإرث الفقيه والشاعر الصوفي. وقبل أن تُحسم المنافسة بينهما، دخلت أفغانستان على الخطّ.

مساعي أنقرة وطهران إلى تبنّي إرث "مولانا" ونسبته إليها ليست بالجديدة؛ فقد تقدّمت كلّ منهما بطلب إلى "اليونسكو" من أجل إدراج آثاره ضمن حصّتها في "سجلّ ذاكرة العالم"، الذي أنشأته المنظّمة الدولية عام 1997، بهدف "حماية التراث الوثائقي العالمي".

ويُركّز الطلَبان، بشكل خاصّ، على كتاب "مثنويه المعاني"، الذي يُطلق عليه بعض المتصوّفة اسم "الكتاب المقدّس الفارسي"، ويُعتبر من أبرز الكتب الشعرية الصوفية، وأكثرها تأثيراً في الأدب الفارسي، إضافةً إلى الأدب الأردي والبنغالي والتركي، وهو مؤلَّفٌ من 25 ألفاً وستمائة بيت شعري.

في خضمّ ذلك، دخلت كابول، وإن بشكل متأخّر، إلى مضمار السباق، لتُندّد بما أسمته "محاولة سطو" على إرثها الثقافي، معتبرةً أنها الأحقّ بأن يُنسَب إليها جلال الدين الرومي الذي وُلد في القرن الثالث عشر الميلادي، في مدينة بلخ (الإيرانية حالياً)، والتي لا تزال آثار البيت الذي وُلد فيه موجودةً فيها إلى اليوم.

يعترف المسؤولون الأفغان بأن خطوتهم تأخّرت كثيراً. المتحدّث باسم وزارة الثقافة في كابول هارون حكيمي، قال في تصريحات لوسائل إعلام غربية "إنه لم يكن ثمّة من سبب يمنع تقدّم أفغانستان بطلب مماثل، لكنها تأخّرت في ذلك"، معرباً عن أمله في أن تتمكّن من إسماع صوتها دولياً في هذه القضية.

أحد المسؤولين الأفغان دعا ممثّل بلاده في الأمم المتّحدة إلى تقديم احتجاج رسمي. كما تؤكد مصادر أفغانية بأن هذا المطلب لا يعني أن أفغانستان تريد احتكار جلال الدين الرومي؛ باعتبار إيمانهم بأن إرثه ينتمي إلى "التراث الفكري العالمي، ولا يجوز حصره في بلدين".

من جهته، يرى الكاتب والشاعر الأفغاني، صديق أوسيان، وهو مدرّس في جامعة بلخ، أن جلال الدين الرومي جزء لا يتجزّأ من الثقافة والهوية في أفغانستان، وفصله عنها يشكّل إهانة وتهديداً للشعب الأفغاني".

ومن المعروف أن مدينة بلخ كانت تُعتبَر حاضرةً دينية وثقافيةً للبوذية وللثقافة الفارسية، إلى أن سقطت تحت سيطرة المغول بقيادة جنكيز خان عام 1221. وفي تلك الفترة، هاجر الرومي مع عائلته هرباً من الحرب، وقد عاش في تركيا، ومات في قونيا التي أسّس فيها ابنه طريقة "المولوية".

وبينما تقول "اليونسكو"، عبر بعثتها في كابول، إنها لم تنظُر بعدُ في المسألة، يواصل الأفغان مساعيهم. مؤخّراً، أطلق كتّاب وفنّانون ونشطاء عريضةً على الإنترنت ضمّت قرابة ستّة آلاف توقيع لمطالبة المنظّمة بـ "الاعتراف بأن أثره ينتمي إلى أفغانستان".

وعلى ما يبدو، فإن ثمّة بوادر اتفاق أفغاني تركي حول المسألة، ستدفع إيران ثمنه بالتأكيد؛ إذ عبّر الرئيس الأفغاني، أشرف غني، عن أمله في أن تتّفق بلاده مع أنقرة على جعل الرومي "مصدر فخر مشترك للبلدين"، ما يعني إقصاء إيران من السباق.

وكانت الدول الثلاث قد شاركت، عام 2007، في احتفال أقامته "اليونسكو" بمناسبة المئوية الثامنة لميلاد جلال الدين الرومي. خلال الاحتفال، ذكّرت الدول، في ميداليات تذكارية بعبارة الشاعر والفقيه "لا فرق عندي بين القريب والغريب"، في إشارة إلى أن إرثه ملك للإنسانية جمعاء.

بالعودة إلى الفيلم الأميركي الذي يُنتظَر أن يجسّد سيرة جلال الدين الرومي، فقد بدأ الجدل مع حوار أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، مطلع حزيران/ يونيو الماضي، مع السيناريست ديفيد فرانزوني والمنتج ستيفن جويل براون تحدّثا فيه عن دوافع اختيارهما شخصية الرومي لتجسيدها سينمائياً، معتبرَين أنه يُشبه الشاعر الإنكليزي وليم شكسبير من حيث موهبته وتأثيره القوي والمستمرّ، مضيفَين أنه يحظى بالتقدير في أميركا، "ولذلك وجب إظهار وجهه، وسرد حكايته".

رغم أن المنتج وكاتب السيناريو أبديا "نوايا حسنة" في ترشيح ليوناردو دي كابريو، الذي لم يُعلن موافقته بعد، معتبرَين أن الهدف هو "تغيير الصُورة النمطية للشخصيات المسلمة في السينما"، إلّا أن ذلك لم يبدُ مقنعاً لكثيرين.

هكذا، أطلق معارضون للترشيح عريضةً على الإنترنت، جمعت قرابة مائتي ألف توقيع، تتّهمهما بالسعي إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، وتطالبهما باختيار ممثّل شرقي "كي يُغيّرا الصورة النمطية السائدة في هوليوود". واعتبر هؤلاء أنه "عادةً ما يجري اختيار المسلمين لتجسيد شخصية الإرهابي، لكن حين يتعلّق الأمر بشخصية إيجابية يذهب الدور رأساً إلى ممثّل أبيض".

ـــــــــــــــ
دي كابريو الرومي
أثار ترشيح الممثّل الأميركي ليوناردو دي كابريو لتجسيد شخصية جلال الدين الرومي موجةً من السخرية على الشبكات الاجتماعية، أساساً بسبب اختيار ممثّل أبيض، عبّر عنها الرسّام الإيراني شهاب جعفر نجاد برسم يجسّد فيه الممثّل الأميركي ذو العينين الزرقاوين مرتدياً عمامة الرومي وجلبابه، ولم تلبث الصورة أن انتشرت عبر مواقع التواصل. أليس هذا الخيار تعبيراً جديداً عن مركزية "الرجل الأبيض" في الثقافة العالمية؟

المساهمون