أجيال المحنة نفسها

13 ديسمبر 2016
جوني سمعان/ سورية
+ الخط -

إلى اليوم، لا تزال تظهر علامات التهيّب والتردّد على المفكرين - وحتى المفسّرين - العرب عندما يقفون على عتبة النصوص الدينية وتفكيكها؟ من يصدّق، والحال كهذه، أنه في سنة 1969 صدر كتاب بالعربية يحمل عنواناً صريحاً "نقد الفكر الديني"؟

كان صاحب العمل صادق جلال العظم من جيل من مفكّرين عرب وجدوا أنفسهم أمام مهمّة تحريك البركة الراكدة. وكان إعمال النظر في الواقع العربي يؤدّي دائماً إلى الاصطدام بالموروثات، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الدينية.

أمام هذه الاصطدامات، نأى البعض بنفسه عن التفكير وغيّر مساراته، وآخرون أشاروا للإشكالية ثم مرّوا مرور الكرام، لكن فئة منهم قرّرت الذهاب أبعد في عملية النقد دون حسابات، ومنهم العظم.

نظر العظم إلى الدين كأيديولوجيا غيبية باتت تحول دون رؤية الواقع، وبالتالي تحول دون إيجاد مخارج من المآزق الحضارية التي يعيشها العرب، معتبراً أنه لا يمكن الاستمرار طويلاً في تجاهل هذه القضية المحورية.

كان من الطبيعي أن يكون المفكر السوري بعد ذلك تحت مرمى الانتقادات الحادة، فتعدّدت الأعمال التي تتصدّى لمقولاته، لعلها كمّياً أضعاف ما صدر له، والتي رفعت ضدّه تهماً تبدو لمن مثله جاهزة؛ رغم أن العظم يكاد يكون ردّ عليهم بشكل مسبق في مقدّمة عمله حين وضّح تفريقه بين الدين كظاهرة روحية وبينه كمجموعة من المعتقدات والتشريعات والشعائر والطقوس والمؤسسات التي تحيط بحياة الإنسان.

كيف يمكننا النظر إلى منجز العظم اليوم؟ يبدو ككثير من المفكرين غيره قد علّق آمالاً على مشروع لم تمض به الرياح إلى حيث يشتهيه، فالتقبّل الجماهيري في أدنى مستوياته، ولا نجد تراكماً حول منجزه، حتى أن شعور جيله في الستينيات بأنه لا يجد ما يستند عليه ممن سبقه يكاد يعرفه كل جيل جديد. إنها محنة عربية مكرّرة تشير إلى قطيعة بين التفكير والواقع، وبين جيل وآخر. قطيعة قد لا يكون المفكّرون سببها ولكنهم في المحصّلة ضحيّتها.

المساهمون