بيير بوليز: سقوط المطرقة من يد قائد الأوركسترا

11 يناير 2016
(تصوير: تود روزنبرغ)
+ الخط -

مسيرة حافلة طبعت حياة بيير بوليز (1925 - 2016) -الذي رحل في جنوب ألمانيا الأسبوع الماضي- وجعلت من الفتى الذي صبّ اهتمامه في شبابه على الفلسفة والفكر، أحد أشهر قادة الفرق الموسيقية في القرن الماضي.

يعد بوليز، الذي ولد في قرية مونبريزون بوسط فرنسا، أحد أبرز الروّاد التجريبيين في مجال التأليف الموسيقي في القرن العشرين، ومن أهم قادة الفرق الموسيقية. بمناسبة عيد ميلاده التسعين، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى تكريمه في سالزبورغ في النمسا، حيث قُدّمت حفلات شملت أهم أعماله مثل "مطرقة بدون سيد" و"دون اعتراض" أدّاها كبار العازفين والملحّنين.

ويعيد بعض مجايليه من العازفين التجريبيين موهبته إلى قدرته المبكرة على استخدام تراكيب إيقاعية نشطة واستخدام توزيع موسيقي يجسّم تداخل الأصوات غير المعتادة. بينما تتميّز موسيقاه بالطلاقة، كما تعكس أيضاً تأثره بالمؤلفين النمساويين، أرنولد شوينبرغ وأنطون فيبرن.

اشتهرت مقطوعاته في تمديد الأساليب المتعارضة مع الرومانسية الألمانية التي يمثلها برامز وفاغنر، وعمل لاحقاً على التجديد في أسلوب شوينبرغ الذي سبق له أن طوّر تقنية "الاثني عشرة نغمة". عدا عن إصراره على عدم اللجوء إلى هيمنة الفكرة اللحنية المركزية، وهو ما يبدو جلياً في مقطوعة "مطرقة بدون سيّد"؛ حيث يسمح بوليز بقسط وافر من الحرية للعازفين، ما يضفي نسقية عفوية على موسيقاه.

بعد سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية، وإشرافه على فرقة "كليفلاند"، اكتسب عزف بوليز زخماً إضافياً غلب عليه الطابع الحداثي للبانوروما الموسيقية المعاصرة. كما لا يخفى تأثره بالمؤلف الروسي إيغور سترافنسكي، سيما في المرحلة الثالثة من نتاجه التي عرفت بـ"المرحلة النسقية" وفيها بدأ بتقبّل أسلوب اللامقامية (atonalité)؛ لذلك كان معظم النقّاد الموسيقيين يشبّهون الثورة التي أحدثها بوليز في الوسط الفني الفرنسي، بتلك التي أحدثها سترافنسكي في روسيا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

يحسب لبوليز الربط بين النص والموسيقى، وهو الذي ابتدع مفهوم "الموسيقى العفوية" المشتقة من كلمة Alea التي تعني مصادفة، وهو الاصطلاح الذي يطلق على الموسيقى التي يضعها المؤلّف بطريقة غير محدّدة ويمكن ترجمتها عملياً بطريقتين: الأولى هي إبداع المواد الموسيقية بطرق المصادفة أو باستخدام القوانين الرياضية للاحتمالات، وهو ما عرف بـ "موسيقى الصدفة"، ورائدها جون كيدج.

أما الثانية، فهي التي تقوم على وضع العمل الأساسي من قبل المؤلف والسماح للمؤدي باختيار التفصيلات وتطبيقها، وهي الموسيقى التي أطلق عليها "الموسيقى غير المحددة"، ورائدها بيير بوليز، وأهم أعماله في هذا السياق هي "سوناتا 3" التي صدرت عام 1957. ومن خلال هذه المقطوعة تمكّن من نيل جوائز عالمية عديدة.

رحيل بوليز يُنهى حقبة موسيقية طبعها مؤلفون بارزون، مثل أندريه بوكورشليف وجيلبير آمي وموريسيو كاجيل ولويجي نونو وكارل هاينزه ستوكهوزن. وبين هؤلاء، كان بوليز الأكثر هوساً بالمسألة الفنية كقضية خلق وتطوّر.

المساهمون