"المسرح البلدي": الثقافة تحت رحمة أشغال الترميم

25 اغسطس 2015
("المسرح البلدي" في تونس العاصمة)
+ الخط -

تداولت اليوم وسائل إعلام تونسية إعلاناً عن إغلاق "المسرح البلدي" لسنة كاملة، لإجراء أشغال صيانة وترميم. المؤكّد أن ما سيترتّب على ذلك، هو تعطّل الحياة المسرحية في تونس؛ فالمسرح البلدي هو الفضاء الذي يستوعب أكثر العروض في العاصمة.

كثيراً ما يتخوّف المثقّفون في تونس، من خبرٍ يبدو عادياً كهذا. فكثيرة هي قاعات المسرح أو السينما أو غيرها من الفضاءات المخصّصة للفعل الثقافي التي أُغلقت بذريعة القيام بأشغال ترميم. لكن هذه الأشغال تتواصل لفترات طويلة، ينسى الناس خبرها، فتتحوّل بعد سنوات إلى مبانٍ أخرى، تجارية في الغالب.

لعلّ المسرح البلدي معفيٌّ إلى حد كبير من هذا الهاجس، باعتبار موقعه في الشارع الرئيسي للعاصمة التونسية، وكذلك للبعد التاريخي الذي اكتسبه. فقد شُيّد سنة 1902 كتحدّ معماري، حيث أن الأرضية التي بُني فوقها كانت امتداداً للبرّ في بحيرة تونس، فتخوّف بعضهم من بناء منشآت ضخمة عليها.

كما حظي المسرح، الذي سُمّي في بدايته "لا بونبونيار" (حاملة الحلوى)، بتصميم فني مميّز من المعماري الفرنسي جان إميل راسبلندي، كتجسيد لفكر ما عُرف وقتها بمدرسة "الفن المعماري الجديد".

طبعاً، شهد "المسرح البلدي" الكثير من عمليات الترميم على مدى تاريخه الطويل. ويُحلينا قرار الغلق الجديد إلى آخر مرة أُغلق فيها، فنجد أنها تمّت في موعد قريب نسبياً (2001)، أي أنه لم يمض سوى قرابة 15 عاماً ليبدأ ترميم جديد.

إن التخوّف من غلق "المسرح البلدي" هو في الحقيقة تخوّف من الفراغ الثقافي الذي سيتركه لعام كامل. يفضح غياب هذا الفضاء غياب بدائل لأماكن العرض؛ فالقاعات المجاورة التي تتمركز في قلب العاصمة مثل "المونديال" و"الكوليزي" و"الريو" صغيرة نسيباً، كما أنها في الأصل قاعات سينما، ما يعني أن استعمالها سيكون على حساب عمل ثقافي آخر.

أما المسارح المتخصّصة، مثل "قاعة الفن الربع" أو "فضاء التياترو" أو "مسرح الحمراء"، فهي تعاني أيضاً قلّة عدد مقاعدها ونقص معدّاتها. وفي كل الحالات، سيضرب توقّف نشاط "المسرح البلدي" تلك الحالة التي يخلقها تركّز الفعاليات الثقافية في مكان واحد من المدينة.

يذكّرنا هذا القرار، أيضاَ، بمشروع "مدينة الثقافة" الذي وعدت الدولة بإنجازه منذ أكثر من خمس سنوات، وقد بدأت فيه الأشغال وقتها على أن تنتهي في ظرف سنة واحدة، لكنها لم تنتهِ إلى اليوم. كثيرون سيقولون: لو أن مدينة الثقافة أُنجزت، لما تخوّف أحد من إغلاق المسرح البلدي أو أي مسارح كبرى أخرى.

المساهمون