أسطرة العلمنة

05 يونيو 2015
آي واي واي / الصين
+ الخط -

يميل المثقفون العرب إلى تصديق خرافات الغربيين عن أنفسهم حتى بعد أن يتراجع عنها هؤلاء. منها فكرة أن العلمانية وحاكمية العقل هي الخاصية والعلامة الفارقة للحضارة الغربية.

يا جماعة، في العمق الآسيوي حضارات عتيقة لا تحصى لم يسبق لها أن عرفت دين دولة أو سلطة دينية أو حتى ديناً مُمَأسساً بالمعنى الذي يفهمه الإبراهيميون.

في مجتمعات "الاستبداد الشرقي" هذه، لم يسبق أن وُضعت أية قيود على حرية المعتقد أو الفكر إلا في ما يتعلّق بالمجال السياسي والسلطوي المباشر، أي لم يسبق أن مُنعَ أحد فيها مثلاً من التفكير أن الأرض تدور حول الشمس. آلاف السنوات من الثقافة التعددية والعقلانية الكونفوشيوسية في الصين لم تتمخّض عن ثورة صناعية شبيهة بقرينتها الأوروبية.

كانت العلمنة بالتأكيد مرحلة ضرورية لتلك الأخيرة، لكن النمط الصناعي للإنتاج مهّدت له أيضاً الثقافة الكنسية الشمولية والإلغائية التي خنقت الأنانيات والنزعات الفردية كما لم تفعل أي ثقافة أخرى، وصنعت مجتمعات إسبرطية متجانسة ومتراصّة ومفرطة في التنظيم (ومن كنفها خرجت الهويات القومية العلمانية).

بالطبع، النموذج الديمقراطي انتصر وأثبت تفوّقه في العصر الحديث، لكن، والأمر بيننا، قانون الانتقاء الطبيعي لم يكن دائماً في سلّم الأمم إلى جانب قيم الحرية والتعددية.

دلالات
المساهمون