على خلفية المتغيرات العميقة التي تعرفها البيئة التواصلية، يزداد التساؤل حول استمرار المحامل التقليدية للخطاب في ظل تضاربها مع الوسائل الجديدة. ينعكس هذا الهاجس على"الصحافة المكتوبة"، أقدم أشكال الاتصال الجماهيري، وهذا ما يطرحه الملتقى الدولي الذي نظمه "معهد الصحافة وعلوم الإخبار- جامعة منوبة" بالاشتراك مع مؤسسة كونراد أيدناور الألمانية، بعنوان "الصحافة المكتوبة: أزمة أم تحوّلات؟".
يقول المنسّق العلمي للملتقى، صادق الحمامي لـ "العربي الجديد": "يدعونا صعود خطاب نهاية الصحف وموت الصحافة المكتوبة إلى إخضاع الأمر للمساءلة النظرية". وكأن الملتقى إقرار ضمني بأن الصحافة المكتوبة تعيش أزمة لا ينكرها الحمامي بل يوصّفها بكونها "نسقية، إذ تهم الصحفيين والمؤسسات والقراء وصناعة الصحافة نفسها".
في مداخلته في اليوم الأول، يقول نصر الدين العياضي من الجزائر: "لا يمكن أن ننظر لهذه الأزمة كأزمة الصحافة وحدها، وإنما هي أزمة الكلمة عموماً بعد هيمنة المرئي على الفعل التواصلي". فيما كانت قراءة الجامعية التونسية هالة بن علي للأزمة من منطلق عدم تطوّر دراسة الجمهور؛ إذ إن الصحف لا زالت تقصر رؤيتها على البعد التسويقي في قياس تفاعلات الجمهور معها.
وقدّم الألماني كريستيان جاكوباتس، المختص في الميديا الجديدة، عرضاً حول تحوّلات الصحافة الورقية بيّن فيه إحصائياً أن "تراجع الصحافة المكتوبة ظاهرة عالمية، لا علاقة له بجودة المادة الصحافية المقدّمة من خلالها ولا بظهور الميديا الجديدة"، وأن السؤال ينبغي أن يطرح حول مرونتها تجاه الأشكال الجديدة مثل صحافة المواطن أو الصحافة الهاوية.
من جهتها، ترى سماح شباح، الباحثة التونسية في جامعة ليون الفرنسية، أنه "من الأفضل أن نقارب أزمة الصحافة بعيداً عن مقولات نهايتها أو موتها، وإنما من زاوية تجاوز التصوّرات النظرية حولها". وترى أنه "ينبغي عدم إسقاط قطيعة بين الصحافة التقليدية والميديا الجديدة لكي تستمر كل الأشكال في الوجود بصفة طبيعية". أما الجامعية المصرية عزة عبد العزيز فتعتبر أن "تغيّر مفهوم المعلومة سيغيّر بالضرورة من الصحافي وتعامله مع مهنته".
من الجيد أن يطرح الملتقى أسئلة مشابهة على واقع الصحافة. لكن هل أن الجامعة، كفضاء دائم للبحث، منفتحة على هذه الأسئلة؟ يرى صادق الحمامي، من موقعه كأستاذ في كلية الصحافة، أن "الجامعة لا تقوم بدور في مسألة إنتاج المعرفة حول الميديا". ويسجّل بأن "الحريات الأكاديمية متوفرة وأن مجال الميديا يشهد تطوّرات، بينما لم يشهدها البحث العلمي حولها".