بواريد ناصر وأزهار الشرّ المزيفة

08 مارس 2015
+ الخط -

بالقرب من ساحة "فوج" في باريس، حيث تتنافس صالات الفن في عرض تحفها التزيينية البراقة التي تجذب السياح، يعرض الفنان الجزائري ناصر مجموعته الأخيرة في غاليري "لاب 44" تحت عنوان "ألعاب الحرب".

وإذا كان العنوان يبدو غير جذاب بطبيعة الحال لأي سائح يريد شراء عمل يزين فيه إحدى زوايا بيته، إلا أن الأعمال بطريقة تجهيزها وعرضها تجذب المتلقين رغم عنف موضوعها.

هذا التناقض الذي تقصّده الفنان للسخرية، بشكل أو بآخر، من العنف والحرب، يتجسد في أغلب الأعمال التي يستمر عرضها حتى 15 من الشهر الجاري.

ففي مجموعة "علب وحشية"، يتكرر عنصر الجندي/ اللعبة البلاستيكية بهيئات وأشكال مختلفة ضمن علب مزينة تُصدِر موسيقى هادئة.

وضمن صندوق زجاجي معلّق على الحائط، يلتحم سيفان ليشكلا نصلاً واحداً بقبضتين. الطابق العلوي يحوي أعمالاً أقدم نسبياً للفنان مثل عمل عصا البيسبول المرصعة بالمسامير الحادة، إلى جانبه تصطف كرات على هيئة قنابل. عمل آخر بعنوان "بواريد الشر"، والمستوحى من عنوان مجموعة بودلير الشعرية "أزهار الشر"، حيث الكلاشنكوف مزيناً بأشواك الزهور.

في زاوية القاعة، إلى جانب هذه المجموعة، يبرز عش من الأسلاك الشائكة يحوي بيضاً على هيئة قنابل، إحداها مفتوحة تترك للمتلقي حرية الخيار لتصور ما ستكون عليه.

تتقاطع تجربة ناصر في "الريدي ميد"، أي إنجاز عمل فني من أغراض موجودة في السابق، مع العديد من الفناين الذين اشتغلوا على أدوات الحرب كما الفنانة الفلسطينية ليلى الشوّا أو الهنغارية كاتا لوغرادي. لكن الفرق أن ناصر لا يلجأ فقط إلى تزيين أدوات الحرب بقدر ما يبتكر أشكالاً جديدة للسخرية من الصراعات المسلّحة وتجارة الحروب، حتى من خلال عناوين أعماله مثلما هو عنوان منحوتة "أنا أمسكك أنت تمسكني".

صحيح أن مفهوم الـ"ريدي ميد" هو ما يطغى على تجربة الفنان، غير أنه لا يُظهر تعصباً واضحاً تجاه هذا النوع من الفن، فالمعرض يتضمن أيضاً لوحتي حامل، الأولى بعنوان "الفوضى" يطغى فيها اللون الأسود على سطح اللوحة كلياً مع الأغراض الصغيرة الملتصقة بها كفوارغ الطلق الناري، وإلى جانبها لوحة أخرى، قريبة منها، غير أن الأسود ينحسر في طرفها مفسحاً المجال لمشهد من الغيوم الداكنة.

وعلى الرغم من استقرار الفنان في فرنسا منذ أكثر من عشرين سنة، إلا أن انشغاله الأساسي الذي يترجمه في أعماله يتعلق بشكل أساسي بقضايا الصراع في الوطن العربي، لا سيما في السنوات الأخيرة. ويعبر من خلال معرضه هذا باستخدام رموز مختلفة عن السلاح الذي زُرع عوضاً من الورد، وعن حملة السلاح الأطفال الذين يبدؤون حياتهم من العنف.

المساهمون