آلان جوفروا.. رحيل آخر السورياليين

23 ديسمبر 2015
(الشاعر ورفيقة حياته في باريس، تصوير: ميشيل لونارديلي)
+ الخط -

رحل صباح الإثنين الماضي الشاعر والكاتب الفرنسي آلان جوفروا عن 87 عاما ودفن في مقبرة "بير لاشيز" الشهيرة على بعد خطوات من بيته في الدائرة العشرين.

عُرِف آلان جوفروا (1928 - 2015) بنشاطه ضمن الحركة السوريالية وصداقته مع لويس أراغون. خلال حياته الطويلة، أصدر 120 عنواناً، حيث كتب الشعر والقصة والرواية وأدب الرحلة والدراسات الفنية، كما حاز متأخراً على جائزة "غونكور" للشعر عام 2007، تكريماً لمجمل أعماله الشعرية.

في منتصف الستينيات، أسس مجلة "أوبوس أنترناسيونال" التي كانت في تلك المرحلة منبراً للدفاع عن التيارات المجددة في الساحة الفنية. وفي غمرة انتفاضة مايو الطلابية، عام 1968، أسس، برفقة الكُتّاب ميشال بوتور وناتالي ساروت وجان بيار فاي بيان ومئتي كاتب آخر، "اتحاد الكتاب" الذي دعا إلى "تفكير جماعي حول دور الكاتب والأدب في المجتمع".

ورغم نشاطه السياسي مع الحزب الشيوعي في الفترة الأولى، ثم في أوساط المجتمع المدني، لم ينتسب جوفروا إلى تيار سياسي بعينه، وحتى نشاطه في الحركة السوريالية كان في إطار التعاطف الفردي؛ ما جعله يصطدم بزعيم الحركة أندريه بروتون الذي أبعده عنها بسبب "فرديته".

كان جوفروا على علاقة متينة في تلك الفترة مع الفنانين مارسيل دوشان وفرانسيس بيكابيا والكاتب هنري ميشو، إضافة إلى الشاعر لويس أراغون الذي ضمّه إلى هيئة تحرير مجلة "آداب فرنسية" ومنحه حرية كبيرة في الكتابة فيها ورسم خطها التحريري.

هكذا، خلال عقد الستينيات، فرض جوفروا نفسه كواحد من أبرز المنظرين المدافعين عن الحركة الطلائعية في الفن والأدب، خصوصاً في دراسته "ثورة النظرة" التي خصّصها للمواهب الفرنسية الجديدة في الفن المعاصر. وكان أيضاً من أوائل المقدّمين لأعمال حركة "بوب آرت" الأميركية في فرنسا، ونصوص شعراء "بيتنيكس" الذين قدّمهم في أنطولوجيا شهيرة صدرت عام 1965.

وفي السبعينيات، نشر العديد من الدراسات الأدبية، منها كتابه الشهير "عن الفردانية الثورية" الذي دافع فيه عن فرادة الفرد في مواجهة مختلف النظريات والأيديولوجيات التي تقمع وجود ودور الأفراد في تاريخ الأفكار والتجارب الثورية، مستشهداً بالعديد من الشعراء والكتاب والفنانين الذين طبعوا تاريخ الأدب رغم "نرجسيتهم" ونزوعهم إلى التمرّد عن الجماعات.

كما نشر كتاباً آخر، سيكون له وقع كبير في الساحة الشعرية الفرنسية بعنوان "بيان الشعر المعيش"؛ دعا فيه، في ذروة الانشغال الفرنسي بالبنيوية والتيارات الشكلية، إلى "عودة الشعر إلى الواقع بدل الغرق في الذاكرة والماضي".

في الثمانينيات، اهتم جوفروا بثقافات آسيا والشرق الأقصى وعاش لفترة في طوكيو وانغمس في قراءة الأدب الياباني وربطته صداقة متينة بالكاتب الياباني هاروكي موراكامي. وبعد عودته إلى باريس، نهاية الثمانينيات، دخل جوفروا في عزلة كبيرة وقاطع الوسط الأدبي الفرنسي.

رغم العزلة، كان من السبّاقين إلى التنديد بالحروب الاستعمارية في المنطقة العربية، ويتذكّر كاتب هذه السطور لقاء معه في بيته للتحضير لمقال حول الكُتّاب الفرنسيين وحرب الخليج، وكان الرجل مُدهِشاً في حيويته وهو يتحدّث عن الحرب.

ومن بين ما قاله في ذلك اللقاء: "الشعر بطبيعته مقاومة لكل أشكال الظلم والعدوان. ومساهمة الشعر والشعراء في المقاومة لا يحتاجان إلى دليل. عمري الآن 75 عاماً، وقد عايشت خمس حروب على الأقل؛ منها الحرب الأهلية الإسبانية والحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام وحرب الجزائر، وها أنا أعيش الآن حرب الخليج، ولا أفهم مطلقاً كيف أن بعض الفرنسيين من جيلي الذين عاشوا كل هذه الحروب يجدون مبرّرات للحرب الحالية في العراق. أنا ما زلت على موقفي ضد الحرب بالمعنى الوجودي للكلمة، وأسجّل أنني ضد الغزو الأميركي وضد نظام صدام. لكن هل التضحية بالشعب العراقي وإهانته هي الوسيلة المثلى للتخلص من صدّام؟ بالتأكيد لا".

المساهمون