إلى وقت غير قريب، كانت المهرجانات المتخصّصة في السينما العربية، تُنظّم في كلّ أنحاء العالم، باستثناء البلاد العربية نفسها، بدءاً بـ "مهرجان الفيلم العربي" الذي يُنظّم في سان فرانسيسكو الأميركية منذ قرابة 19 عاماً، مروراً بتظاهرات مماثلة في سيدني والبرازيل، وصولاً إلى مالمو السويدية وبرلين وبروكسل وغيرها.
بالطبع، تحضر السينما العربية (أو السينمات العربية كما يفضّل المتخصّصون) في كلّ المهرجانات التي تُقام في بلدان عربية منذ عقود، أو في تلك التي استُحدثت خلال السنوات الأخيرة. لكن، بقيت هناك دائماً حلقة ناقصة، في ظلّ غياب تظاهرات سينمائية متخصّصة.
لعلّ الانتباه إلى تلك الحلقة الناقصة، كان الدافع وراء تأسيس عددٍ من المهرجانات التي تُعنى بالفيلم العربي فقط. بدأ ذلك بـ "مهرجان الفيلم العربي" في وهران الجزائرية (2007) الذي اعتُبر المهرجان العربي الأول والوحيد المتخصّص في السينما العربية، قبل أن تتلوه مهرجانات تحمل الاسم ذاته، في عمّان (2007) ومؤخّراً في فلسطين والسودان.
آخر المهرجانات التي التحقت بالركب، هو "مهرجان الفيلم العربي" في مدينة قابس التونسية، والذي يُنتظر أن تُقام دورته الأولى في الفترة الممتدّة بين 14 و18 تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري.
يفتتح المهرجان، الذي تنظّمه "جمعية جسور" المحلية، بالفيلم الفلسطيني "لمّا شفتك" لـ آن ماري جاسر، ويشهد في نسخته الأولى عروض أفلام روائية ووثائقية طويلة وقصيرة من 12 بلداً عربياً.
في ندوة صحافية عقدها اليوم، قال مدير المهرجان، محمود الجمني، إن تنظيم التظاهرة هو بمثابة "تحقيق حُلم راود طويلاً مجموعة من مثقّفي المدينة ببعث تظاهرة سينمائية كبيرة، وخطوة لترسيخ مفهوم اللامركزية الثقافية".
بحسب الجمني، فإن المهرجان الجديد يهدف إلى "نشر الثقافة السينمائية وإتاحة الفرصة للمخرجين العرب للالتقاء بجمهور المنطقة والتواصل معه".
ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، تُعرض عشرة أعمال من سبعة بلدان، وهي: "البحر من ورائكم" و"الريف" و"حمّى" من المغرب، و"عزيب زموم" من الجزائر و"بستاردو" من تونس و"ديكور" من مصر و"سلم الى دمشق" من سورية و"صوت البحر" و"من ألف إلى باء" من الإمارات و"أنا نجوم بنت العاشرة ومطلّقة" من اليمن.
بينما تُعرض في مسابقة الأفلام القصيرة 11 عملاً من سبعة بلدان عربية، وهي: "حدود" و"دوّار السوليما" من المغرب و"تزوّج" و"المغربون" من تونس و"السوناتا الأخيرة" من سورية و"الكعب الذي رأى" و"صفعة" من العراق و"عندي سلاح" من فلسطين و"حورية وعين" من قطر و"قاري" من السعودية.
يحتفي المهرجان بالسينما الجزائرية، من خلال عرض مجموعة من الأفلام القديمة والحديثة، منها: "معركة الجزائر" لـ جيلو بونتي كورفور و"القلعة" لـ محمد شويخ و"جبل باية" لـ عز الدين مدّور و"رشيدة" لـ يمنية بشير شويخ و"مسخرة" لـ إلياس سالم و"عطور الجزائر" لـ رشيد بلحاج.
يُكرَّم أيضاً عدد من الوجوه السينمائية العربية، مثل: منى نور الدين والطيب الوحيشي من تونس والمخرجة اللبنانية الراحلة نبيهة لطفي والممثّل المصري توفيق صالح.
كما خصّص قسماً خاصّاً بـ "كلاسيكيات" السينما العربية، تُعرض ضمنه تسعة أفلام "أثّرت في وجدان أجيال من السينمائيين العرب"، حسب تعبير الجمني، منها أفلام "السقا مات" لـ صلاح أبو سيف و"غداً" لـ إبراهيم اللطيف و"سجنان" لـ عبد اللطيف بن عمار.
ستتوزع عروض المهرجان على "المعهد العالي للفنون والحرف" و"المركز الثقافي الجامعي" و"دار الثقافة" في قابس، إضافة إلى مدن قبلي ومدنين وتطاوين.
تشهد الدورة، التي ستكون الممثّلة التونسية هند صبري رئيستها الشرفية، حضوراً لافتاً للسينمائيات العربيات؛ حيث ترأس درّة بوشوشة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة التي تضمّ أيضاً كاهنة عطية من تونس وربى بلال من فلسطين. بينما ترأس الممثّلة التونسية فاطمة سعيدان لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة التي تضمّ ألفة نجيمة من تونس ومينا قصار من فلسطين.
ينظّم المهرجان عدداً من الفعاليات المرافقة، منها ثلاث ورشات حول "السيناريو" و"الصورة المحلية" و"التقاط الصوت"، إضافةً إلى ندوة فكرية دولية بعنوان "الفيلم الوثائقي/ الفيلم الروائي: تكامل أم تنافر في ضوء التحوّلات السياسيّة في العالم العربي"، بمشاركة سينمائيين ونقّاد من تونس والجزائر ومصر وسورية ولبنان والعراق والإمارات العربية.
ينطلق المهرجان، إذن، بآمال عريضة وأهداف واعدة. لكن ذلك لا يمنع من التساؤل: هل سيضيف شيئاً إلى "السينمات" العربية، أم أنه سيكون مجرّد رقم يُضاف إلى عدد المهرجانات السينمائية التي تُقام من المحيط إلى الخليج؟
اقرأ أيضاً: مهرجانات سينما المرأة.. براهين نحن هنا