معرض الجزائر: هذا الكتاب ذلك الخلل البنيوي

30 أكتوبر 2015
(درج في الجزائر العاصمة، تصوير: مايسون لودوفيك)
+ الخط -

على بُعد بضعة أمتار من إحدى محطّات "الترامواي" في المحمّدية، شرقي الجزائر العاصمة، ينتصب "قصر المعارض - الصنوبر البحري"، الذي يحتضن ابتداءً من أمس وحتّى السابع من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فعاليات الدورة العشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب".

مكانٌ يبدو الأنسب لاستقبال الزوّار الذين يتوقّع القائمون على التظاهرة أن يبلغ عددهم مليوناً ونصف مليون هذا العام.

ككلّ دورة، يرافق المعرض جدلٌ يبدأ قبل انطلاقه ولا يتوقّف باختتامه. في السنوات القليلة الماضية، تركّزت الانتقادات على تنظيم التظاهرة الثقافية داخل خيمٍ كبيرة في منطقة تنقصها وسائل النقل، وكثيراً ما اشتكى الناشرون من تعرّض كتبهم إلى التلف بسبب الرطوبة وتسرّب مياه الأمطار.

حُلّت المشكلة بعد إعادة المعرض، سنة 2012، إلى بيته الأول في "قصر المعارض"؛ حيث أجنحة العرضٍ الكبيرة والفضاءات الفسيحة ووسائل النقل. لكن الجدل ظلّ مستمرّاً حول الرقابة ومنع الكتب و"إقصاء" بعض الكتّاب الجزائريين. وخلال هذه الدورة، أضيف إلى ذلك اختيار فرنسا كضيف شرف.

يشارك في الدورة الجديدة ألف ناشر من خمسين بلداً، مع انخفاض طفيف في عدد الناشرين الأجانب، والذي قُدّر بـ 620 ناشراً مقابل 659 في الدورة الماضية، في مقابل ارتفاع عدد الناشرين المحليّين من 267 إلى 290 ناشراً.

بينما شهدت ميزانية التظاهرة تقليصاً وصل إلى النصف (91 مليون دينار جزائري)، وهو ما قال مدير المعرض حميدو سعودي، قبل أيّام، إنه "يندرج ضمن سياسة ترشيد النفقات العمومية"، التي باشرتها الحكومة بعد تهاوي أسعار النفط، مضيفاً أن ذلك "لن يؤثّر على سير هذا الحدث الثقافي الكبير".

وفعلاً، يبدو مدير التظاهرة متفائلاً، إذ يقول إن المعرض يطمح إلى تحقيق رقم مليون و500 ألف زائر هذا العام، بعد تسجيله مليوناً و450 ألف زائر العام الماضي. ورغم أن هذه الأرقام الكبيرة تشكّل مصدر فخرٍ لسعودي وغيره ممّن تولّى إدارة المعرض قبله، والذين يرون فيها مؤشّراً على أنه "بات أحد أكبر معارض الكتاب في العالم"، إلاّ أنّ بعض الكتّاب لهم رأي آخر.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يلفت الكاتب والباحث بومدين بلكبير إلى أن "هناك جانباً مهمّاً لفهم ظاهرة النزوح باتجاه المعرض من كل المدن، وهو أن القارئ الجزائري يعيش حرماناً ثقافياً بسبب غلق كثير من المكتبات، كما أن نسبة كبيرة من الكتب التي تطبعها دور نشر بتمويل حكومي لا تُوزّع ولا تجد طريقها إلى القارئ، وهو ما يجعل من المعرض فرصة نادرة لاقتناء الكتاب".

يضيف بلكبير أن الاقبال الكبير على المعرض لا يعكس واقع المقروئية في الجزائر؛ لأن "أصحاب شركات استيراد وبيع الكتاب والمكتبيين يستغلّون الإعفاء الجمركي في المعرض لاقتناء كميات هائلة من الكتب بالجملة. كما أن كثيراً من العائلات تقصده من أجل الفسحة، دون أن تقتني كتاباً واحداً". هنا يستشهد بالعزوف عن الندوات الأدبية والفكرية التي "تُقام أمام كراسي فارغة".

في هذه الدورة، مُنع 126 عنواناً قال القائمون على المعرض إنها "تمسّ برموز الدولة وتحثّ على العنف والإرهاب والعنصرية".

يعلّق بلكبير الذي مُنع كتابه "الربيع العربي المؤجّل" ("فضاءات"، 2015) على ذلك قائلاً: "ثمّة قرارات ارتجالية تخضع أحياناً إلى أمزجة ذاتية. من غير المنطقي حظر الكتب الثقافية والفكرية التي تقدم أفكاراً وقيماً جمالية، فالمنع يغذّي الكبت والعنف في المجتمعات، ومنطق تكميم الأفواه والتضييق على المثقفين يذكّر بالمنطق القروسطي الذي لا يعترف به عصرنا".

يتابع: "تفاجأت بمنع عرض كتابي، لأن العادة في الجزائر جرت أن يقول المثقّفون ما يشاؤون وتفعل السلطة ما تشاء".

من جهته، يرى الروائي كمال قرّور أن المعرض "ورغم كونه الأكبر عربياً، من حيث مبيعات الكتاب الديني وشبه المدرسي والطبخ، إلاّ أنه ظلّ منذ سنواتٍ يراوح مكانه ولم يستطع أن يتحوّل إلى تظاهرة ثقافية كبرى ومنبراً للأسماء الثقافية الفاعلة، تُطرح فيه أفكار وسجالات ثقافية وفكرية جادة"، واصفاً نشاطاته الثقافية بأنها "مجرّد تنشيط لا يخلو من المحاباة ولا يستقطب غير الصحافيين".

يقترح صاحب "سيّد الخراب" أن يعيد القائمون على المعرض النظر في نشاطاته الثقافية، من أجل "تأسيس فضاء ثقافي جاد وتثبيت حلقات حوار ونقاش وورشات حول صناعة الكتاب وتسويقه وتسليط الضوء على التجارب الأدبية والفكرية المعاصرة".

ويبدو أن سوء التنظيم الذي يطبع معرض الجزائر للكتاب وما يعتبره بعضهم إساءةً وعدم تقدير للكتّاب والمثقّفين، هو ما دفع بالكثيرين منهم إلى إعلان مقاطعته. من بين هؤلاء الشاعر والأكاديمي عاشور فنّي الذي رفض دعوةً للمشاركة في إحدى الندوات الأدبية، وبرّر رفضه بالقول: "بعد الدورة العشرين، ما زالت الأمور تسير بطريقة بعيدة عن الاحترافية؛ إذ تُستغلّ علاقات الصداقة بين المثقّفين للحصول على موافقة المدعوّين دون التزام من القائمين على المعرض. إن جاءتك دعوة، فستُعتبر منّة، وإن استجبت فأنت تستجيب لدعوة صديق لا لدعوة مؤسسة تحترم التزاماتها".

يذهب صاحب "أخيراً أحدّثكم عن سماواته" إلى أبعد من ذلك حين يضيف: "ثمّة أسلوب مافياوي يوظّف في المجال الثقافي، وتغطية على شركات الأصدقاء والمقرّبين التي تستحوذ على الأنشطة المحيطة بالنشاط الثقافي الرسمي والمربحة مالياً".

كذلك، اعتذر الروائي لحبيب السايح عن حضور ندوة أدبية تنظّمها "المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار"، بعد أن تبين أن التعويض المادي عن الجهد غير مدرج، وفق قوله. أيضاً، أعلن الروائيان بشير مفتي وسمير قسيمي مقاطعتهما للمعرض بسبب ما اعتبراه "إقصاءً لأسماء بعينها".

لكن، يبدو أن حمّى المقاطعة التي اجتاحت عدداً من الكتّاب والمثقّفين دفعت بعضهم إلى الوقوع في تناقضاتٍ أقلّها إعلان مقاطعة فعاليات لم يُدعوا إليها أصلاً.

ينطبق ذلك، مثلاً، على الكاتبة ربيعة جلطي التي أعلنت مقاطعتها للمعرض بحجّة تعرّضها إلى "الإقصاء" المستمرّ منذ سنوات؛ حيث أصدرت بياناً كتبت فيه: "يتمّ إقصائي كل سنة رغم إنتاجي الأدبي والفكري المتواصل. لست أدري هل أُقصى بسبب كتاباتي التي لا ترتدي قفّازات حين تنتقد ما يحدث في البلاد والعالم العربي، هذا النوع من الكتابة الذي لا ينتظر جوائز "بترودولارية "، أم أُقْصى لأنني أكتب باللغة العربية، أم ذنبي أنني امرأة؟".

لكن الكاتبة التي سبق أن أشرفت على عدد من الفعاليات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، أضافت: "أطمئن قرّائي الأعزاء بأنني، من أجلهم فقط، سأقوم بجلسة توقيع لروايتي الجديدة".

يطرح هذا الموقف علامة استفهام عن طبيعة المقاطعة التي أعلنتها صاحبة "الذروة"؛ والتي قاطعت تظاهرةً لم تُدع إليها، لكن ذلك لم يمنعها من الحضور لبيع كتابها بالتوقيع، وهو ما يعني أن ما تقاطعه هي زيارة المعرض واقتناء الكتب، والتي يُفترض أن تكون في صلب اهتمامات أيّ كاتب، سواءً دُعي أم لم يُدع.



اقرأ أيضاً: الكتاب الجزائري في مضيق النشر العشوائي

المساهمون