إبراهيم معلوف.. على مدار كوكب الشرق

17 أكتوبر 2015
(تصوير: دنيس روفر)
+ الخط -

لم تأخذ تجارب إعادة التوزيع حقّها في مدوّنة النقد الموسيقي؛ إذ عوملت، غالباً، على أنّها مجرّد إعادة إنتاج لألحان معروفة، تدخل في حيّز الاستذكار لا أكثر. لكن، في الحقيقة، يمكن القول إنّ إعادة توزيع الأعمال الموسيقية، هي عملياً قراءة جديدة للّحن أو المقطوعة، يتعامل معها الفنان كما لو أنّه مؤلِّفُها، محاولاً إبراز جمل ومقاطع غير التي عُرفت أو اعتاد عليها المستمعون.

من التجارب المعروفة في هذا الحقل، أعمال عمر خيرت التي أعاد فيها توزيع ألحان لمحمد عبد الوهاب، وكذلك عمّار الشريعي، إلى جانب الموسيقي الفلسطيني خالد جبران، الذي استعاد ألحاناً لبعض أغاني فيروز.

في هذا السياق، نقف عند ألبوم صدر حديثاً للموسيقي اللبناني الفرنسي إبراهيم معلوف بعنوان "كلثوم"، أعاد فيه توزيع موسيقى أغنية "ألف ليلة وليلة" (1969)، التي لحّنها بليغ حمدي، وكتب كلماتها مرسي جميل عزيز.

في "كلثوم"، يحاول معلوف (1980)، بعد قرابة 45 عاماً على صدور الأغنية، أن يستعيد لحن "ألف ليلة وليلة"، في تحيّةٍ منه إلى "الست" التي اعتاد الاستماع إليها في طفولته، عبر قراءةٍ جديدةٍ لهذا العمل الموسيقي، مُخرجاً إيّاه من حيّزه الغنائي، لينقله إلى الحيّز الآلي فقط.

 يبدو الألبوم وكأنّه مختبرٌ موسيقيٌّ يحاول تلمُّس مساحات جديدة في اللحن القديم؛ حيثُ الجاز (شرقي) هو القالب الذي يتحرّك فيه العمَل الذي وُزّع على الآلات الآتية: ترومبيت (معلوف) وكونترباص (لاري غريناديير) ودرامز (كلارنس بِن) وساكسوفون (مارك تيرنر) وبيانو (فرانك فويشت).

تأرجح صاحب "أوهام" في عمله بين محاولة أن يقول الجُمل الموسيقية بصورة جديدة، وبين نقلها حرفياً، ليكون الفارق الوحيد، هو الآلة التي تؤدّي الجملة. ينقسم العمل إلى سبع قِطع: مقدّمة واستهلالين وأربع حركات.

جاءت بداية المقدّمة على البيانو قبل أن يدخل الترومبيت، الذي كان يتابع أداء المقدمة، والساكسوفون الذي كان عبارة عن خلفية ارتجالية، سيطر على معظم المقطوعة لأنّه لم يكن أمام الترومبيت سوى تكرار الجملة الأساسية؛ تكرار حرفي لما هي عليه في الأغنية. تكرّر الأمر في الاستهلال الأوّل؛ إذ انتقل معلوف إلى جملة أخرى، ولكي يتجنّب التكرار، منح البيانو مساحةً للارتجال.

في الحركة الأولى، استطاع صاحب "كل الأشياء الجميلة" أن يخلّص إحدى الجُمل الشهيرة في مقدمة الأغنية من نفَسها الإيقاعي الصارم، مُقطِّعاً إيّاها لتصبح أبطأ قليلاً، تاركاً فراغات قصيرة للبيانو.

في الحركتين السادسة (15 د) والسابعة (10 د)، وهما يُعادلان النصف الثاني من أغنية "ألف ليلة وليلة"، بدت شخصية معلوف طاغية أكثر؛ إذ لم يكن ناقلاً للجُمل وحسب، وإنّما منحها قراءته الخاصّة، فاتحاً لها مجالاً أوسع في طريقة أدائها وتقديم نفسها كجملة موسيقية مستقلّة بعيدة عن الأغنية.


اقرأ أيضاً: طارق الجندي: صور وبالعكس

المساهمون