"القدّاس الأسود": جرائم بحماية القانون

12 أكتوبر 2015
(لقطة من الفيلم)
+ الخط -

لعلّ كثيرين من مشاهدي الأفلام يضعون فيلم العصابات "العرّاب" على رأس قائمة أفضل الأفلام التي شاهدوها على الإطلاق. يبقى النجاح الذي تحقّقه هذه النوعية من الأفلام غير مفهوم، قد تفسّره جملة غامضة وردت في فيلم "البلدة" (2010) لـ بن أفليك: "كنّا ونحن صغار، ننظر إلى محترفي عمليات السطو من وراء نوافد الحانات، وكأنهم نجوم موسيقى الروك".

فيلم "القداس الأسود" هو أحدث أفلام الجرائم الهوليوودية (يخرج إلى القاعات الشهر المقبل)، وهو مقتبس عن رواية "القدّاس الأسود: ويتي بولغر، إف بي آي وصفقة الشيطان"، للثنائي ديك لاهر وجيرارد أونيل.

عمل يضعه النقّاد في مكانة مميّزة بين ما أُنتج ضمن أدب العصابات. يعود المخرج السينمائي سكوت كوبر (1970) إلى سيرة جيمس هيتي بولغر الذي حوّل مدينة بوسطن إلى عالم سفلي للاتجار بالمخدرات والأسلحة والقتل، بعد تحالفه مع "مكتب التحقيقات الفيدرالي".

يختار المخرج أن تكون التحقيقات التي أجرتها الشرطة مع كيفن ويكس (جيس بليمونت) وستيف فليمي (روري كوكران) بعد القبض عليهما، هي محور أحداث القصة. يبدأ ويكس حديثه إلى المحقّق بالإصرار على تسجيل عبارة "أنا لست واشياً"، قبل الدخول في تفاصيل التحقيق.

ينطلق بعد ذلك في الحديث عن طبيعة العلاقة التي جمعت جيمس بولغر (جوني ديب) بالـ "إف بي آي"؛ حيث سيدعوه صديق طفولته جون كونولي ( جويل أدغرتون) الذي كان يشغل منصب محقّق هناك، إلى تحالف يقضي أن يمدّ المكتبَ بمعلومات عن المافيا، بينما يتغاضى المحقّقون عن أنشطته الإجرامية.

يفرض كونولي اقتراحه على مكتب التحقيقات، مستغلاً عجزه عن إسقاط رؤوس المافيا الإيطالية التي كانت متغلغلة في بوسطن، كما عرف بولغر كيف يستغل هذه الحماية لتوسيع دائرة عمله إلى أبعد الحدود، حتّى تعيين مدّعٍ عام جديد هو فريد وايشاك (كوري ستول) الذي استغرب امتناع المكتب من اعتقال بولجر، وجعل من إلقاء القبض عليه وعلى شركائه، بمن فيهم جون كونولي، أول هدف له.

لم يدم الأمر طويلاً حتى قبض على شريكيه، بينما ظلّ هو متخفياً لسنوات، حتى تم اعتقاله سنة 2011. أما شقيقه السيناتور بيلي بولجر (بينيديث كومبرباش) فقد اضطرّ إلى تقديم استقالته بسبب سمعة أخيه.

يجرّ الفيلم وراءه لائحة أفلام طويلة يمكن مقارنته بها. فمن حيث الموضوع، يبدو أقرب إلى فيلم "العراب" لـ فرانسيس فورد كوبولا و"أصدقاء طيبون" و"المغادرون" لـ مارتن سكورسيزي أو "نهر غامض" لـ كلينت استوود من حيث دائرة العلاقات.

كما يُمكن مقارنته بفيلم جريمة آخر ضمن نمط أفلام الكوبوي؛ "اغتيال جيسي جيمس"، الذي ركّز على الشخصية المميّزة والمحبوبة لأحد أشهر مجرمي أميركا.

اهتم كوبر بتفاصيل كثيرة عن الشخصيات والأمكنة، مع الميل إلى إيقاعٍ متمهّل، وهي سمات طبعت أفلامه السابقة، مثل "قلب مجنون" و"خارج الفرن". والمهم هو الصورة الإيجابية التي قدّم بها بولغر.

أما جوني ديب، فبدا معزولاً عن أزيائه الغريبة والمساحات الكبيرة في أدوراه التي يستحضر فيها عناصر من شخصيته. بدا هنا منضبطاً أكثر بدوره، محبّاً لشخصية جيمي الغريبة، أقرب إلى مصاص دماء بالصورة التي أظهره بها المكياج وهو ينفّذ عمليات القتل بيديه.

سبق لـ ديب أن قدم دور جون ديلينغر في فيلم عصابات آخر "أعداء الشعب"، لكن شخصية دون ديلينغر كانت محبوبة من قبل الناس، أما جيمس فكان يبث الرعب في كل من يلتقيه.

يُحسَب لهذا الفيلم أنه وجّه الأنظار إلى الخروقات التي كان يقوم بها مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ من إبرام اتفاقات مع مجرمين وإخفاء للحقائق وسلك طرق "قذرة" من أجل الوصول إلى أهدافه.

كان المكتب يوفّر حماية كلية لبولغر من أجل القضاء على المافيا الإيطالية. لكن بولجر نفسه كان صانع مافيا أخرى.

دلالات
المساهمون