"أدب": السورّياليون ما يزالون هنا

11 اغسطس 2014
عمل فوتوغرافي لـ مان راي / الولايات المتحدة
+ الخط -

لا يمكن إغفال المعرض الذي انطلق أخيراً في "مركز بومبيدو" في باريس تحت عنوان "بيكابيا، مان راي ومجلة "أدب" (1922 ـ 1924)". فمن خلال مجموعة من اللوحات والرسوم والصور التي تعود إلى أبرز الوجوه الفنية في بداية القرن العشرين، ووثائق تتعلّق بمجلة "أدب" الشهيرة التي أسّسها فرسان السورّيالية الثلاثة، أندريه بروتون ولويس أراغون وفيليب سوبو، عام 1919، يتوق القيّمون على المعرض إلى تسليط الضوء على طبيعة هذه المجلة ودورها في انبثاق الحركة السورّيالية.

وتجدر الإشارة أولاً إلى أن "أدب" عرفت طبعتين: الأولى، فقيرة، بغلافٍ موحّد من ورق أصفر، حيث يمكننا أن نقرأ نصاً لأندريه جيد في جوار نص لبول فاليري؛ والثانية غنية، بأغلفة تارةً زهرية وتارةً زرقاء، ومزيّنة برسوم وصور فوتوغرافية لفنانين لن يلبثوا أن ينخرطوا في حركة بروتون المجيدة أو يدوروا في فلكها.

معرض "مركز بومبيدو" الحالي لا يتناول سوى الطبعة الثانية من المجلة التي سينفرد بروتون في إدارتها بدءاً من العدد الرابع، وتتجلّى فيها المساهمة اللافتة للفنان الدادائي الإسباني فرانسيس بيكابيا، صاحب الوجوه الملغّزة، انطلاقاً من العدد المذكور. ولا عجب في ذلك، ففي العام 1922، سيوقّع بروتون مقدّمة كاتالوغ معرض بيكابيا في برشلونة، ويلقي خلال هذا المعرض محاضرته التاريخية "مميّزات التطوّر الحديث وما يساهم فيه". وعن الفنان، سيكرّر في مناسبات عدة: "أحبّ بيكابيا وأكنّ له احتراماً عميقاً".

وحول مشاعر "بابا السورّيالية" تجاه صديقه، يمنحنا المعرض الحالي دليلَين: الأول معروف، ويتجلى في دعوة بروتون بيكابيا إلى تصميم أغلفة أعداد "أدب" التسعة التي رأس تحريرها، أي من عدد أيلول/ سبتمبر 1922 (الرابع) وحتى عدد حزيران/ يونيو 1924 (الأخير)، بالإضافة إلى مساهمات الفنان المختلفة داخل هذه الأعداد.

أما الدليل الآخر فمجهول، ويظهر في كشف المعرض عن جميع الرسوم التحضيرية أو الأصلية التي أنجزها بيكابيا للمجلة، واحتفظ بها بروتون طوال حياته. ويعود الفضل لابنته، أوب بروتون، في تسليط الضوء على هذه الوثائق الفنية القيّمة عام 2008، حين منحتها إلى متحف "مركز بوبيدو".

عمل لـ فرانس بيكابيا/ إسبانيا


ولا يقتصر المعرض على هذه الأعمال وأعداد الطبعة الثانية من "أدب"، بل يقدم لنا أيضاً صوراً فوتوغرافية ولوحات ترتبط بمغامرة المجلة المذكورة. ومن اللوحات: "كمان أنغر" للمصوّر الأميركي مان راي، "الظهر" للتشكيلية الفرنسية كيكي دو مونبرناس، "العاشقان" لبيكاسو. ومن الصور: "تربية الغبار" للعملاق الدادئي الآخر مرسيل دوشان، الذي شارك مثل بيكابيا في نشاطات حركة بروتون، وبعض بورتريهاته ذات الصبغة النسائية؛ "بروست على فراش الموت" لمان راي، وهو عمل يتناغم مع نص أراغون الذي صدر في العدد نفسه بعنوان "تراجُع الجميع عن توجيه اللوم البذيء إلى بالزاك القرن العشرين الذي يستحقّه".

ويقارب المعرض أيضاً، بالوثائق والأعمال الفنية، الموقع المميّز للحلم داخل المجلة، ومفهوم "الكلمات التي لا تجاعيد فيها"؛ باختصار، كل ما قدّمته "أدب" للقراءة والتأمل البصري، قبل صدور كتاب بروتون "البيان السورّيالي" (1924) الذي يُعتبَر النص المؤسِّس للحركة السورّيالية.

المساهمون