كيف تقضي على جمهور الشعر في أسبوع

22 يونيو 2014
نديم كرم/ لبنان
+ الخط -

منذ أيام، عقدت رابطة الكتاب الأردنيين مؤتمراً صحفياً أعلنت فيه عن برنامج مشاركتها في "مهرجان جرش التاسع والعشرين للثقافة والفنون" خلال الفترة من 20 ولغاية 28 حزيران/ يونيو، والذي تتضمّن أجندته الشعرية "ثماني أمسيات يشارك فيها قرابة خمسين شاعراً من الأردن والعالم العربي، ويمثلون أجيالاً وتيارات شعرية متنوعة"(طبعاً لن نخوض في فهم الرابطة لمعنى التيارات والأجيال).

تتسع كوة اللغط والإحباط حين يتعلّق الأمر ببرنامج الشعر في مهرجان جرش، ويصعب على المرء أن يفهم كيف تدار الثقافة في الأردن وفي بلداننا العربية عموماً وأية آلية تحكم اختيار "الشعراء" المشاركين في جرش وفي غيره، وأية معادلة عجيبة تلك التي طبّقتها "رابطة الكتاب الأردنيين" كونها عضواً في اللجنة العليا للمهرجان، والجهة المناط بها عملية الإشراف على برنامجه الثقافي. وقد بات في حكم "العادة السنوية" أن تطفو الخلافات والاتهامات المتبادلة على السّطح في أعقاب الإعلان عن البرنامج الثقافي وأسماء المشاركين فيه، كما هو حال العام الحالي 2014، الذي يشهد انعقاد مهرجان الشعر العربي - دورة بدر شاكر السياب بمناسبة مرور "خمسين" عاماً (وليس "أربعين" كما ورد في إعلان الرابطة) على رحيله المبكر.

لذا، ذهبت الرابطة، بحسب "أمين العلاقات الخارجية"، إلى التأكيد على "أن أيّ مهرجان شعري لا يمكنه إرضاء الشعراء جميعاً وإشراكهم دفعة واحدة، ولكن المعوّل عليه أن يمثل في صورته الكلية حالة الشعر العربي الراهن في أفضل تمثيلاته وصوره، وأن يجد فيه محبّو الشعر بعض ما يفتشون عنه مما يرقى بالذوق والفكر معا". بيد أن اللافت في المؤتمر الصحفي هو تصريح "أمين السرّ" حول تغييب لجنة الشعر في رابطة الكتاب "نفسها بنفسها"! والتأكيد على ضرورة مشاركة وبقاء أسماء "محدّدة"، بذريعة "أنّ الأمر يتعلّق بوفود عرب وشعراء وكتاب من حقهم أن يتساءلوا عن المشهد الشعري في الأردن".

زعمٌ كهذا يبدو غريباً ومستنكراً، خاصة في جزئه الأخير، فهو ينطوي على مسكنة عقلية، ودليل إدانةٍ لم يتنبّه له كثيرون، ذلك أنّ الممايزة - كما يُفهم من تصريح "أمين السرّ" - تمّت كإجراءٍ احترازي من منطلق الحيطة والحذر؛ بداعي الخشية على مشهد الشعر الأردني من الخدش، جاهلاً أو متجاهلاً أنّ أسماء شعرية في الأردن برزت خلال العقد الأخير على الأقلّ، وشاركت في مهرجانات شعرية عربية وعالمية، مشفوعةً بمنتجها الإبداعيّ فقط، لا نسيج علاقاتها ومصالحها، بل إنّ بعضها تفوّق شعرياً على جحافل جرّارة من حرس شعريّ قديم ما زال ينظم "قصائد" تجاوزها الشعر.

المعضلة المستفحلة ثقافياً ليست في الأسماء ولكن في السيّاسات التي تؤدي إلى مهرجانات كفيلة بالقضاء على ما تبقى من جمهور للشعر، وكلامُ أمين السّر يحصرُ المشهد الشعري الأردنيّ في أسماء "محدّدة" تشكلّ واجهته، وبالتالي ضرورة تكرار مشاركتها من باب "الفزعة" و"الاحتراز" لتعريف الوفود العربية بحال المشهد الشعري الأردني من خلالها، وكأنّ ذلك المشهد خلوٌ من أسماء جديدة وقادرة على التعريف به ممن لم تسنح لها فرصة المشاركة في أيّ من دورات المهرجان حتى الآن.

نتساءل في ضوء ذلك: على من تقع مسؤولية التعريف بمشهد الشّعر في بلد ما، على المضيف أم الضيف؟ ولماذا تُقلبُ الآية ويُغيّبُ المنطق كلّما تعلّق الأمر بالشّعر وآلية المشاركة في مهرجاناته، وعلى رأسها جرش؟!

على رغم التبريرات والذرائع التي استهلكتها "الرابطة" عاماً وراء عام، يدرك "أولو الشّعر" في الأردن مدى وهنها وابتعادها عن حقيقة الأمر وجوهر الحالة، فالأدلة والشواهد القريبة زمنياً - على الأقلّ - ما زالت ماثلةً في الأذهان، ولا تحتمل نبشاً في دفاترها، حتى لا نتسبّب في انتهاك حرمة المهرجان الفضيل.

دلالات
المساهمون