حضرت الحرب بوصفها موضوعة فنّية في اشتغالات التشكيليين اللبنانيين طويلاً. محطّاتٌ أشبه ما تكون بالسلسلة المنتظِمة، ربّما قيّدت الوعي الفني، وربّما عبّرت عن شكّ عميق من قبلِ الفنّان في انتهاء أثر الحرب على حياته اليومية، وكذلك على الإبداعية منها.
ظلّلت الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) أجيالاً من المشتغلين في حقول الفنّ، حتّى بعد انقضائها فعلياً، ثبُتَ أنّ تأثيراتها ترامت زمنياً إلى فترة غير بعيدة من يومنا، وُصِفت بأنها مرحلة ما بعد الحرب. ومن جملة الفنّانين الذين ينطبق عليهم شيء من تلك التأثيرات ونقيضها التشكيلي وليد صادق (1966).
يحتضن "غاليري صالح بركات" ببيروت، حتّى نهاية أيلول/ سبتمبر المُقبل، معرضاً يضمّ 24 عملاً من أعمال صادق، ومن غير أن يحملَ أيّ عنوان جامع، ترتكز اشتغالاتُه على موادّ وتقنيات مختلفة، وإن قاربت في أبعادِها العامة التجريدية، إلّا أنّها ليست تلك التجريدية المدرسية، إنّما طبعة خاصة منها تمزج كلّ شكوك مرحلة ما بعد الحرب بنظرة "مينيمالية" للأشياء، حتّى يستوي كلّ ما هو واقعي مُصغّراً.
تختزن مُصغّرات المعرض تمثيلاً عن واقعٍ مُعاش في بلد لا تتضخّم فيه سوى الأزمات، في حين يتضاءل بالمقابل الحس الإنساني بالفن أو يتراجع، من باب تكاثر الأولويات الحياتية المباشرة، إلّا أنّ المزيج اللوني الفاقع غالباً والذي تعتمده لوحة صادق هو محاولة - ضمن حدود ما - لتعويض تلك الضآلة، فالأحمر والأصفر مثلاً لا يحضران إلّا في حدودهما القُصوى والتي تستفزّ الناظر.
أمّا موضوعياً، فلا بدّ من الإشارة إلى ما تشهده بيروت من معارض في هذه الفترة، وأغلبها مطبوعٌ بطابع يستلهم لونياً ما تعيشه المدينة، في لوحة صادق ترجمة لهذا بلا شك، لكنّ الأمر يستوعب أكثر من ذلك أيضاً، وهذا غير مستغرب لو نظرنا في الخلفية الفكرية التي يبني عليها التشكيلي عالمه، فهي أقرب إلى نزعات التقويض من أن يقف أمامها المتلقّي فيبني مشهداً واضحَ المعاني أو المعالم.
يشار إلى أنّ هذا المعرض هو الأوّل للتشكيلي اللبناني منذ عام 2010، بعد سنوات من اشتغاله المنصبّ على فنّ التصوير والتدريس في "الجامعة الأميركية" ببيروت.