في كتابه "تقسيم فلسطين: من الثورة الكبرى 1937-1939 إلى النكبة 1947-1949" الذي صدر حديثاً عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، يعود الباحث والأكاديمي الفلسطيني وليد الخالدي إلى تقرير اللجنة الملكية البريطانية (لجنة بيل) الذي نشر عام 1937، ويقترح إنشاء ثلاثة أقاليم في فلسطين؛ إقليم تحت الانتداب البريطاني يضمّ بيت لحم، ودولة يهودية، ويتحد جزء مع شرق الأردن ويكونا دولة عربية.
ويضيء الكتاب كيف تراجعت بريطانيا عن هذا الاقتراح بعد قمعها الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1939، وصولاً إلى إصدار "الكتاب الأبيض" الذي دعا إلى إقامة وطن قومي لليهود في دولة فلسطينية مستقلة في غضون عشر سنوات، كما حددت الاستيطان اليهودي بخمسة وسبعين مهاجراً خلال خمس سنوات، على أن يتم تحديد المسألة من قبل الأغلبية العربية، إلى جانب منع اليهود من شراء الأراضي العربية في جميع المناطق باستثناء 5% من أراضي الانتداب.
كما يتناول الفصل الأول ضغوط الرئيس الأميركي هاري ترومان على الحكومة البريطانية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 من أجل فتح باب الهجرة الجماعية اليهودية إلى فلسطين، ثم إعادة تبنيه تقسيم فلسطين، لتحيل بريطانيا القضية على هيئة الأمم المتحدة عام 1947، التي قامت بدورها بإرسال لجنة خضعت توصياتها للضغط الأميركي من أجل التقسيم، ثم تعود الولايات المتحدة عن قرارها وتدعو إلى الوصاية الدولية على فلسطين في آذار/ مارس 1948، وأعقب ذلك دعم أميركي مطلق للعصابات اليهودية انتهى باعتراف رسمي بالدولة اليهودية بعد إحدى عشرة دقيقة من إعلان قيامها.
، يستعرض الخالدي نكبة فلسطين من خلال تحليله الروايتين العربية والإسرائيلية لمسار الحرب
في الباب الثاني، يستعرض الخالدي نكبة فلسطين من خلال تحليله الروايتين العربية والإسرائيلية لمسار الحرب، والعلاقات بين الدول العربية عشية النكبة، وميزان القوة وتشكيلات قوات الطرفين، ومرحلة القتال الأولى وإنقاذ القدس الشرقية، ثم الهدنة الأولى فالقتال مرة ثانية، والهدنة الثانية التي قادت إلى مفاوضات الهدنة الدائمة بين "إسرائيل" وكلّ من مصر والأردن وسورية ولبنان في الخامس من كانون الثاني/ يناير عام 1949.
يوضّح الكتاب أنه على الرغم من أن ثيودور هيرتسل؛ مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة؛ وضع كتاباً بالألمانية سنة 1896 بعنوان "دولة اليهود" فقد ظلت "المنظمة الصهيونية العالمية التي أسسها سنة 1897 في مدينة بازل في سويسرا، حتى بعد أن تبنّتها بريطانيا، كبرى الدول الاستعمارية الغربية، في وعد بلفور (1917)، وحتى بعد قيام النظام الانتدابي الاحتلالي (1922)، ظلت تُنكر كذباً وتدليساً وتمويهاً، أن غايتها ـتأسيس دولة يهودية على أنقاض الشعب الفلسطيني.
ويلفت إلى أنه بعد تغوّل الوجود اليهودي نتيجة الهجرة الجماعية ليهود أوروبا الشرقية والوسطى في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، بحماية الحراب البريطانية وبفضل الأموال اليهودية الأميركية، قفزت نسبة اليهود في فلسطين من 6% سنة 1917 إلى 30% سنة 1936، فاشتد عضدهم واستأسدوا وعظمت ثقتهم بأنفسهم فأسفروا عن نياتهم الحقيقية وغدوا يطالبون جهاراً بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، يكون للأولى المساحة الكبرى لينطلقوا منها للاستيلاء على الدولة العربية الجارة. وأيدت كل من لندن وواشنطن هذا الهدف تلبية لمطامع استعمارية بريطانية، ولاعتبارات البيت الأبيض الانتخابية.
وينبّه الخالدي إلى أن هذا الكتاب "ينشر في هذا الزمن الرديء لتذكير أصحاب الحل والربط في بعض الحواضر العربية بهذه الخلفية التاريخية، ولتنبيه الرأي العام العربي إلى هول ما يقرر اليوم في "صفعة القرن" من الزيف والعدوان تحت ستار ما يسمى "التطبيع" و"الإبراهيمية" الوهمية المختلقة من أساسها".