تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "تغيُّرُ العالَم كما أراه يكمن في مظاهر التفاعُل، وليس في مكنونات النفس البشرية"، يقول الشاعر والكاتب المسرحي والمترجم المصري.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- أتأمّل مؤخّرًا ما يُطلق عليه "الطبيعية الجديدة" (new normal). فبعد أن مرّ العالم بفترة طويلة من الإجراءات الاحترازية، والقيود على السفر والحركة والتنقّل، وبرغم تخفيف هذه القيود، فقد التصقت بأقدامنا العديد من العادات والممارسات التي ارتبطت بتلك الفترة. وأصبحت ممارستها شيئاً عادياً وطبيعياً.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر ما صدر لي هو ديوان بالعامية المصرية بعنوان "ابن الصبح"، وقد استغرقت كتابة هذا الديوان ما يقرُب من خمس سنوات. كما أنه تعطّل كثيراً في النشر بسبب الظروف الاستثنائية التي مرّ بها العالم في السنوات الماضية. وأعكف حالياً على كتابة عددٍ من النصوص المسرحية تتناول الظروف الاستثنائية التي تمر بها البشرية: من أمراض وأوبئة، وحروب على الهوية، وفرض السيطرة، ورغبة الكثير من القِوى العالمية في خلق واقع مغاير بموازين جديدة.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- أعتبر نفسي لحدٍّ كبير الناقد الأول لأعمالي الأدبية وترجماتي؛ لذلك أراجعُها مرّات ومرّات، حتى تخرج كلّ جملة وفقرة وكأنها قصيدة شعرية قصيرة، وعندما لا أستطيع مواصلة المراجعة والتشذيب أشعر بشيءٍ من الرضا فأنتقل لمرحلة النشر.
ولكنْ، كثيرًا ما ينتابني شعور التقصير بعد أن يصدر العمل، ويصبح متاحاً للجمهور، للدرجة التي تكاد تمنعني من قراءته مرة أُخرى، ولكني أستعيد بعض الثّقة من الآراء النقدية التي تُنير أجزاء من العمل. وإن كان النقد الذاتي هو المعيار الأوّل بالنسبة لي في كل الأحوال.
التصقت بأقدامنا عاداتُ وممارسات زمن الوباء والإجراءات الاحترازية
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- أظنّ أن الإنسان لو تغيّر أي تفصيل بسيط من تفاصيل حياته، لتغيّر مساره بالكامل. وينطبق هذا الظنّ على الإنتاج الفني والأدبي الإبداعي بشكل خاص. فالفنان ابن بيئته وصنيعة ظروفه التي تكسبه خبراتِ الحياة وتُذيقه طعم تجربتها. ربّما لو عدتُ لنفس المسار والتفاصيل لسِرتُ في نفس الدرب. ولو عدتُ بوعي جديد وخبرة أكبر، لسرت الدرب ذاته مرّة أُخرى، فقد رضيته لنفسي، ومستمرّ فيه طوال سنوات حياتي الماضية. ولكنّي ربما فكّرت بتغيير اختياراتي، في ما يتعلّق بالنشر والتفاعُل مع الوسط الثقافي.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- يتطوّر العالم طرديًا في نفس الاتجاه، فالحب هو الحب والحرب هي الحرب، وكلّ المشاعر والانفعالات والحوادث التاريخية تكرّر نفسها في سياقات جديدة وبوجوه مختلفة. ربما كانت الفترة القادمة تختلف ظاهريًا عما سبقها، نظرًا لتطوّر وسائل التواصل، وانتشار التكنولوجيا الرقمية، التي فتحت أبواب عصر ما بعد الخصوصية. ولكنّه تغيُّر - كما أراه - في مظاهر التفاعُل، وليس في مكنونات النفس البشرية.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- تختلف الشخصيات التي أرغب في لقائها بين الحين والآخر، وفقاً لما أمرُّ به من حالات نفسية وشعورية. ربما كنت في الماضي أرغب في مقابلة الشخص الذي استطاع أن يخترع الكتابة، لكي أشكره على حُسن صنيعه الذي قدّمه للبشرية.
ولكنّي ربّما أرغبُ الآن في مقابلة أوّل مَن جهز جيشاً وقرّر الإغارة على جيرانه، لعلّي أستطيع أن أقنعَه ألا يفتح صندوق الشرور.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- أعود كثيراً لكتاب "التفكير العلمي" لفؤاد زكريا، وأجد فيه وثيقة فكرية هامة تصف العقلية العربية، وتشرح طريقة عملها، وما تواجهه من تحديات.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أنا الآن في إجازة من القراءة لبعض الوقت، فقد انتهيت من ترجمة عدد من الأعمال الروائية خلال الشهور الماضية، وعادة ما تصحب الترجمةَ قراءاتٌ جانبية كثيرة. وأحاول حالياً تخصيص وقت أكبر، لمتابعة مشاريع سينمائية مختلفة وخصوصاً الفرنسية والإسبانية.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- "سمعت أنواع الموسيقي كلّها/ وسافرتُ على كلّ الخطوط"؛ كتبتُ هذا المقطع في إحدى قصائدي في الماضي، لتمثّل وجهة نظري في التعامل مع الموسيقي ووجهات السفر. أفضّل الاستماع لأصناف منوّعة من الموسيقى، لأكتشف من خلالها ذائقة وثقافات الشعوب. مؤخّراً أستمع إلى موسيقى البلوز، والجاز، وقبلها كنتُ أُعيد اكتشاف أغاني الفنان الراحل محمد رشدي.
بطاقة
شاعر وكاتب مسرحي ومترجم، من مواليد الإسكندرية عام 1979. من مؤلّفاته: "مئة عام على وعد بلفور: قراءة عبر الأدب والتاريخ" (2017)، و"ترام الرمل" مجموعة مسرحيات غنائية (2017)، كما أصدر بالعامية المصرية دوواوين، منها: "حرب الردة"، و"الأسد الحلو" (2015)، و"أنا قلبي مش فارس" (2002). له في الترجمة: رواية "سفر الخروج" (2022)، للكاتب الجورجي إيراكلي كاكابادزي، و"تلغراف" للكاتب الإندونيسي بوتو واجيا (2018)، و"الجبل العميق" للكاتبة التركية إيجي تملكران (2016).