■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
رُزقت منذ أسبوعين بمولودي الثاني؛ سارة لتؤنس وحدة أخيها زيد. رعاية طفلَين أمرٌ يكفي لِيلتهم كلّ الوقت ويشغل الذهن عن كلّ أمر آخر. أترقّب أيضاً صدور روايتي الثالثة خلال بضعة أيام. في هذا العصر، ما عاد يمكن للكاتب أن يكتب ويرمي كتابه إلى المطبعة ثم ينسى أمره. عليه أن يتابع الأمر بكلّ تفاصيله حتى يصل الكتاب إلى يد القارئ، وعليه أن يصير وكالة متعدّدة المهام تقوم بالكتابة والتدقيق والتسويق والتواصل... وبين هذا وذاك، ثمّة بضع أفكار إشكالية غير مطروقة في الرواية العربية تطنّ في رأسي مجتمعة مختلطة عليَّ فك تداخلها والجلوس لكتابة روايتي الرابعة.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
صدرت لي، العام الماضي، روايتي الثانية "أحجية إدمون عمران المالح"، عن "دار هاشيت أنطوان/ نوفل". وأرى الفرصة الآن مناسبة لأقتبس من تقريض لروايتي كتبه الأستاذ معن البياري: "التفتَت الرواية [إلى موضوع التطبيع] بأنفاس مثيرة من التجريب في بنائها وفي لعبتها الحكائية، بلغت فيه مدى جذّاباً، وحاذقاً لا ريب. وعلى قصرها، يسّرت الكثافة العالية فيها إتيانها على غير مسألة، بكيفية راوغت فيها بين المتخيّل والواقعي، بين اللحظي والماضي، بين الحلمي والمتذكّر والكابوسي والكافكاوي، بين تداخل أصوات ورواة، بين الحقيقي والزائف".
عملي القادم، روايتي الثالثة "ليل طنجة - الرواية الأخيرة"، سيصدر عن "دار العين"، وسيكون لقاؤه الأول مع القراء خلال "معرض القاهرة الدولي للكتاب". مخطوط المسوّدة الأولى من هذه الرواية سبق أن حاز "جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة" سنة 2019.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
الرضا موت. بهذه البساطة. الإبداع قلق مستمرّ وسعي متواصل نحو الكمال. لا يمكن الوصول، ولذلك الرضا لا يتحقّق. يمكن أن أشعر بالإعجاب تجاه فكرة ما أو جملة، لحظة كتابتها. لكن بعد وقت قصير يفرض الشكّ نفسه، ثم بعد النشر يأتي الندم. لا. لست راضياً. لكنّي بدأت التسليم أنّ الكتابة عملية متواصلة من التطوّر، والتطوير. ليست مشكلة ألّا أكون راضياً عن إنتاجي لحد اليوم، إنه مرحلة فقط في مسار ما يزال يتقدّم إلى الأمام.
قد أُعجب بجملة لحظة كتابتها، ثمّ سرعان ما يفرض الشكّ نفسه
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
وهل يمكن أن تكون البداية من جديد، بالعودة إلى الوراء، إلّا بذاكرة ممسوحة من الخبرات التي راكمنا؟ لا يمكن البدء من جديد. ثم، لو لم أكن راضياً عن مساري الحالي لماذا أحلم بفرصة خيالية للعودة إلى الماضي واختيار مسار غير الذي اخترت والبدء كمولود جديد؟ لماذا لا أتوقّف الآن وأبدأ فوراً؟
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
لم أعد أنتظر شيئاً من هذا العالم البئيس. ربما أحلم بالسلام يجمع كلّ الأمم. ربما أحلم بالرفاه يسكن حياة كل الأفراد. ربما وربما وربما، لكن، هذا عالم بئيس تحرّكه الأطماع الشخصية لأفراد يملكون زمام الحكم أو مؤسّسات تملك سلطة الإنتاج... أو ربما كلّ ما أريده هو أن يتركني العالم وشأني.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أوّل ما فكرت فيه ليس أنّه لديّ جواب مناسب لهذا السؤال. ثم أرغمتُ نفسي على التفكير ووجدت أنّني قد أستمتع بمجالسة تولكين وسؤاله عن كيف ابتكر عوالمه الفانتازية تلك، ثم عدتُ إلى رشدي وفكّرت أنني لا أحتاج التظاهر بالحكمة وادّعاء رغبة لقاء شخصية من الماضي. حالياً لا رغبة لدي بذلك.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
في كل مرحلة من مراحل عمري كان هناك كتاب، أو رواية، أحب العودة إليه، وقراءة مقاطع متفرّقة منه. الآن لا أجدني مسكوناً بحاجة ملحّة للعودة إلى كتاب محدَّد. الوقت قصير جدّاً وثمّة الكثير ممّا يستحق القراءة، والمطابع لا تتوقّف عن تقديم المزيد.
■ ماذا تقرأ الآن؟
حين يكون ذهني مشغولاً بأفكار الكتابة أقرأ ببطء شديد. حالياً، أقرأ بشكل متقطّع رواية "مستر غوين" للإيطالي آليساندرو باريكو، وقد قرأتُ منذ فترة قصيرة روايته "مدينة" التي أجدها أفضل ما قرأت هذه السنة. أيضاً، كما هي عادتي، أقرأ بالتوازي رواية "Hear the Wind Sing" وهي الأولى في مسيرة هاروكي موراكامي، وقد انتهيتُ قبل أيام من روايته الثالثة "A Wild Sheep Chase" والتي وجدتُها، كما أعماله المبكّرة، أفضل كثيراً من أعماله الجديدة التي كتبها بعدما طبقت شهرته الآفاق.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
مع المتطلّبات العائلية، والطفلين، وانشغالات الوظيفة التي يجب أن يضيع فيها الكاتب وقته ليدبر رزق يومه، بالكاد يبقى وقت قصير يجب استثماره في القراءة أو الكتابة. لكن عندما أكون متعباً أكثر ممّا أقدر للتركيز في القراءة، فإنّني أُبحر في عوالم الموسيقى الكلاسيكية، وأحياناً، بل غالباً، أُفضّل أن أرتاح مع المقاطع الموسيقية الكوميدية للمجموعة البولندية MozART group.
بطاقة
كاتب من المغرب من مواليد 1982. أصدر مجلّة "طنجة الأدبية" بين سنتَي 2004 و2005. صدرت له مجموعتان قصصيّتان؛ هما: "أشياء تحدث (2004)"، و"انتحار مُرجأ" (2006)، وروايتان: "كافكا في طنجة" (2019)، و"أحجية إدمون عمران المالح" (2020). يُنتظر أن تصدر روايته الثالثة، "ليل طنجة"، عن "دار العين" مطلع العام المقبل.