وقفة مع ليلى باحساين

15 أكتوبر 2022
ليلى باحساين
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة عن انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "لا أعرف وسيلة تعبير تتجاوز الكتابة في صدقها وأصالتها"، تقول الكاتبة المغربية في لقائها مع "العربي الجديد".
 

■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
مشغولةٌ بوضع اللمسات الأخيرة على روايتي القادمة. وهي مرحلة تمثّل مصدر قلق، بسبب حالة الفراغ والكآبة التي تتركني فيها شخصيات الرواية، في كلّ مرّة، وهي تغادر حُجرة الكتابة لتصبح شخصيات عمومية. أمّا بصورة عامة، فأنا مشغولة بالتأثيرات السلبية للغلاء ولارتفاع أسعار النفط على واقع اللاجئين، ومشغولة بصعود التطرّف والإقصاء. أكتب لأروّض هذه الأحاسيس، فقد تكون الكتابة ملاذنا الأخير في ظلّ عدم قدرتنا على إصلاح المظالم في عالمنا.


■ ما آخر عمل صدر لكِ؟ وما عملك القادم؟
رواية "نظرية الباذنجان" التي صدرت بالفرنسية عن دار "ألبان ميشيل" في آذار/ مارس 2021. بنيتُ هذه الرواية، شكلاً ومضموناً، على فكرة الخداع البصري. فالراوية، ديجا بن (التي كانت تُدعى سابقاً خديجة بن عبد الهلالي الكبير)، مغربيةٌ تعيش في فرنسا، وقد أُقيلت من منصبها كمحرّرة في وكالة اتصالات وإعلام. ويُقترَح عليها، بعد ذلك، أن تعمل مساعدةً لعدد من العاطلين من العمل الذين ينضمّون إلى العمل في أحد المطاعم بهدف إعادة دمجهم مِهنيّاً. مسألة الازدراء (الازدراء القائم على العِرق أو الطبقة الاجتماعية) تشكّل محور هذه الرواية. أما الرواية التي أعمل على إنهائها حالياً، فستصدر أيضاً عن دار "ألبان ميشيل" الفرنسية عام 2023.


■ هل أنتِ راضية عن إنتاجكِ؟ ولماذا؟
أحاول أن أبذل جهدي، لكن لا يمكنني أبداً أن أقول إنني راضِية عن عملي. ولحسن الحظّ أن الأمر كذلك! الكتابة تشبه عندي رهاناً على التوازن، توازني الشخصي. إنها فضاءٌ لبناء حقيقة مُطلقة، حقيقة نبنيها لنا ككتّاب وكذلك لهؤلاء الذين نودّ مشاركتها معهم. لا أعرف وسيلة تعبير تتجاوز الكتابة في صدقها وأصالتها. وعلى هذا الأساس، أعتقد أنني لا أكتب لإرضاء الآخرين أو حتى لمضايقتهم.

الكتابة تشبه عندي رهاناً على التوازن، توازني الشخصي


■ لو قُيّضَ لكِ البدء من جديد، أي مسار كنتِ ستختارين؟
كنت سأختار الأدب منذ البداية. إذ إنني كنت على يقين، منذ طفولتي، بأن مكاني هنا، في الأدب، وبأن الكتابة ستكون النحو الذي يتّخذه حضوري في العالم. في المغرب، عندما كنت طفلة، لم يكن ممكناً للمرء أن يعيش من كتابته الأدبية، ولهذا كان لا بدّ من التوجّه نحو مهنة ذات مردود معقول. هذا ما فعلته من خلال دراستي لإدارة الأعمال، ومن خلال العمل، أوّل الأمر، في هذا المجال. وكانت تواسيني، في ذلك الوقت، فكرة أنني كنت أستفيد من كلّ التجارب، في العيش والعمل، من أجل تغذية كتابتي بها. لقد بقيت وفيّة للطفلة التي كنتُها.


■ ما التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
المزيد من العدالة والمساواة والأخوّة. رواياتي مشغولةٌ بهذه القيَم. لستُ، بذلك، ساذجةً بل متفائلة. أن تكون متفائلاً يعني أن تكون مدركاً للواقع وصعوباته، وأن تختار أسلوبَ عيش بنّاءً وصامداً. من المحزن النظر إلى "المشاعر الطيّبة" بوصفها مفهوماً ساذجاً. والأدب، عندي، هو الفضاء الذي يُنتصَر فيه لمَن يعانون من الازدراء. قد لا يساعد الأدب في تغيير العالَم مباشرةً، لكنّه حتماً يساهم في تغيير الأفراد.


■ شخصية من الماضي تودّين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
يمكننا أن نُقابل الكتّاب ونلتقيهم من خلال قراءة أعمالهم. أمّا مَن يهمّني لقاؤهم على أرض الواقع، فهُم هؤلاء الناس الذين يكرّسون حياتهم لفعل الخير، لمساعدة الفقراء، واللاجئين، والمُهمّشين، وللتقليل من المعاناة بشكل عام، كما هو حال الراهبة، الأخت إيمانويل. مَن يقومون بكلّ ذلك دون انتظار مقابل. مَن يضعون بلسماً على جراح الآخرين. ليس ثمّة أنبل من ذلك.

الذين أرغب بلقائهم هُم الذين يكرّسون حياتهم لفعل الخير


■ صديق يخطر على بالكِ أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
مدام كستافي، أستاذة اللغة الفرنسية في إعدادية "الإمام مالك" بمراكش. قالت لي ذات يوم: "إنْ لم تصبحي كاتبةً يوماً، ستكونين قد فشلتِ في اختيار طريقك الصحيح". أتذكّرها في اللحظات التي ينتابني فيها الشكّ وتواجهني الصعوبات.
أمّا الكتاب الذي أعود إليه، فرواية "ميرامار" لنجيب محفوظ (الذي أحبّ كلّ أعماله)، التي شغفتني بقصّتها وأسلوبها. ويحدث لي أن أُعيد قراءتها وأن أفكّكها "تقنياً". في مراهقتي، فكّرت في الكتابة إلى نجيب محفوظ لأسأله لمَ لمْ يُعطِ الكلمة لزهرة، الشخصية الرئيسية في الرواية. لكنّني، مع مرور الوقت، عثرتُ على إجابة لهذا السؤال. 


■ ماذا تقرئين الآن؟
أقرأ رواية "الأرض والدم" للكاتب الجزائري مولود فرعون، الذي اغتيل على يد "منظّمة الجيش السري" الفرنسية خلال ثورة التحرير الجزائرية. أحبّ العودة إلى نصوص مؤلّفين مغاربة كبار قد يُنسَون إن لم نبذل جهداً لإبقاء أعمالهم حاضرةً بيننا. ينطبق هذا على الكاتبة الجزائرية آسيا جبّار، والمغربيّين: الكاتب محمد لفتح، والكاتب والمخرج أحمد البوعناني.

لا أعرف وسيلة تعبير تتجاوز الكتابة في صدقها وأصالتها


■ ماذا تسمعين الآن؟ وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشارككِ سماعها؟ 
أستمع إلى الموسيقى عندما أكتب. ويعتمد اختياري لما أسمعه على العاطفة التي أرغب في تضمينها بالنصّ، وكذلك على الطبيعة النفسية للشخصيات. يمكن أن يقع الخيار على باخ، أو فيروز، أو نينا سيمون، أو ظافر يوسف، أو الموسيقي الأمازيغي الكبير محمد رويشة. أمّا اليوم، فأشارك معكم أغنية "كلمتي حرّة" للفنانة التونسية آمال المثلوثي.



بطاقة
روائية مغربية تكتب بالفرنسية من مواليد 1981 في مدينة سلا، وتعيش في مدينة بيزانسون بفرنسا. صدرت لها روايتان: "السماء تحت خطواتنا" (2019) و"نظرية الباذنجان" (2021)، وقد لاقتا نجاحاً نقدياً وفي المكتبات. حاصلة على عدد من الجوائز الأدبية؛ من بينها: "الجائزة المتوسّطية (2019) و"جائزة الكتاب الأوروبي والمتوسّطي" (2021). لها عددٌ من القصص المنشورة في مجلّات أدبية بالفرنسية، في المغرب وفرنسا.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون