وصفة الشِّعر

22 أكتوبر 2021
أنور المعدّاوي (1920-1965)
+ الخط -

أذكر أنّني صادفت اسم الناقد المصري أنور المعدّاوي (1920-1965) في الكثير من الكتب والمقالات والدراسات، لكثير من النقّاد المصريين، من بين أولئك الذين عاصروه، أو جاؤوا من بعده، ولكنّي لم أعثر على أيّ من كتبه النقدية، وهي ثلاثة فقط. ومن الواضح أنها ضمنت لهذا الناقد مكانة نقدية وأدبية شديدة الأهمّية في التاريخ الأدبي العربي الحديث، يلمسها كلّ مَن راجع الكتابة النقدية العربية، حيث كان للمعداوي تأثير كبير وواضح في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، بالإضافة إلى أسماء نقّاد آخرين لا يمكن تجاهلهم بالطبع، مثل محمود أمين العالم ومحمد مندور ولويس عوض وعبد القادر القط وغيرهم.

ولعلّ قراءة كتابه النقدي الثالث، "كلمات في الأدب" (صدرت طبعة إلكترونية منه، حديثاً، عن "مؤسّسة هنداوي") تجعلك تعيد النظر أيضاً في المكانة، إذ رغم مرور أكثر من خمسين عاماً على صدور الطبعة الأولى من الكتاب، وهي طبعة صدرت أصلاً بعد رحيل المعدّاوي، لا تزال المقالات التي كتبها راهنة، لا لجدّة الموضوعات وحسب، بل لأصالة النظر والمعالجة أيضاً. حيث تكشف القراءة عمق أفكاره، وبراعتها، وقدراته على تحليل النصوص الأدبية، والمواقف الإنسانية، بفكر جديد ومخالف من جهة، بقدر ما هو مشبَع بالمعاني العميقة من جهة ثانية، بغضّ النظر عن احتمال الاختلاف مع كتاباته.

بدأت الرواية العربية أيضاً تعاني من تشابه الأساليب

وفي واحدة من أبرز الأفكار النقدية وأكثرها أصالة في هذا الكتاب، وهو يضمّ دراسات في الشعر والقصة والمسرح والرواية، يشير المعدّاوي إلى المشكلة الجوهرية التي تواجه الشعر التقليدي العربي المعاصر، وهي التشابه والتكرار، حيث يفتقر إلى التنوّع والفرادة، لا بسبب المدرسة أو الاتجاه الذي ينتمي إليه الشعراء، حيث الخطابية والتقرير وجزالة الألفاظ تطغى على التعبير الوجداني المتحرّر من شروط الشعر المسبقة، بل بسبب الشعراء أنفسهم.

الملاحظ، كما يقول المعدّاوي، أن انتماء الكاتب أو الفنان إلى أي مدرسة أدبية، أو اتّجاه، في الغرب مثلاً، مثل السريالية أو الوجودية، لا ينفي سمات كتابته (أو فنه) الشخصية. ولهذا كان جميع الأدباء هناك، حسب رأيه، يمثّلون "الظاهرة الجميلة في تاريخ الفن، ونعني بها ظاهرة الاستقلال والأصالة".

هذا هو المأخذ البارز الذي يمكن أن يطاول أي جنس أدبي، إذ إن أهم قيمة فنية لشعرنا المعاصر هي أن يكون لكلّ شاعر طعمه الخاص، ولونه المتميّز، وطابعه المستقلّ. وهو بهذا المعنى يحاول، أو حاول، أن يؤسّس لما يمكن أن نسمّيه الشخصية الشعرية، أي سمات الشاعر وخصوصيته التي لا تشبه أي شاعر آخر.

يمكن تتبّع التشابه في معظم الفنون، بل قد يكون التشابه والتكرار أخطر ما يواجه الكتّاب والشعراء والفنانين، وقد تكون واحدة من المشكلات التي تواجه الشعر العربي اليوم ـ بل إن الرواية بدأت تعاني من تشابه الأساليب في ظلّ الاستخدام شبه الآلي للّغة ـ غياب الفرادة الأدبية، والشخصية الشعرية ذات الخصوصية التي ترفض التكرار. وهي مشكلة لم يتصدَّ لتحليلها والبحث عن أشكال تجلّيها في الفنون الكتابية والبصرية العربية، النقدُ العربي بعد.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون