"هنا غزّة": نصوص كُتبت تحت القصف

23 نوفمبر 2023
مطقع من لوحة "غزة" للفنان العراقي محمد مهر الدين
+ الخط -

"الساعةُ الآن الثامنة والربعِ ليلاً، سأنام، وأجهزُ جسدي لأي صاروخٍ مفاجئٍ يفجرُه، سأجهزُ ذكرياتي، وأحلامي؛ لتصيرَ خبراً عاجلاً أو رقماً في ملف، عسى الصاروخُ يأتي وأنا نائمٌ فلا أشعرُ بأي ألم، وهذه آخرُ أحلامِنا في الحرب، وخاتمةٌ سخيفةٌ لأحلامنا العالية. أغادر خوفَ العائلة نحو فرشتي، وأنا أسألُ سؤالاً: من قال للغزيِّ أنَّ النائمَ لا يتألم؟ ونمت".

هذا مقتطف من نص كتبه الشاعر حيدر الغزالي في السابع والعشرين من الشهر الماضي، ونُشر أمس الأربعاء ضمن سلسلة "هنا غزّة"؛ وهي مجموعة من الفيديوهات القصيرة تقدمها مؤسسة "العمل للأمل" في بيروت، وتتضمّن قراءات لنصوص كتبها شعراء وروائيون وكتّاب قصة ومسرح تحت القصف الإسرائيلي، كإشارة تدلّ على الحياة، خلال الأسابيع التي تلت الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وشُرع في نشر هذه السلسلة تباعاً منذ السابع عشر من الشهر الجاري، وتؤدي هذه القراءات شخصيات فنية وأدبية وإعلامية معروفة من المنطقة العربية والعالم، بحسب المؤسسة.

وكان نصّ الغزّالي قد قرأته الفنانة اللبنانية حنان الحاج علي، وفيه يقول "أحلمُ بموتٍ مدوٍّ جداً، لذا اتركوني أموتُ كيفما أريد. الآن لن يبكيني أحدٌ، ولن يرثيني أحدٌ، وربما لن تجدوا جثتي فلا يدفِنُني منكم أحدٌ، فيكون حينها قبري الهواء، وشاهدي غيمةٌ يستظلُّ تحتَها الأطفالُ، ويكبرون".

أما الكاتبة نسرين سليمان، فكتبت في 25 الشهر الماضي نصاً يرد فيه: "كيفَ حالُك؟ أنا في غزة. كيفَ حالُك؟ في قبرٍ جماعيٍّ رطبٍ وضعوني مع زوجي وأبي وأمي وإخوتي وأطفالي أيضًاً. لن أكونَ في هذه العتمةِ وحيدةً. كيفَ حالُك؟ قِطتي نَسيتُها في شقتِنا في برجِ خمسة من أبراجِ الزهراء. كيفَ حالُك؟ سأنجو. سمعتُ أن السماءَ تحمينا عندما يقايضُنا الموتُ مع القذائفِ".

من جهتها كتبت الشاعرة نعمة حسن نصّاً قصيراً: "الأم في غزة لا تنام. تنصتُ للعتمةِ، تتفقدُ حواشيها، تفرزُ الأصواتَ صوتاً صوتاً، لتنتقيَ لها حكايةً تليقُ بها، تهدهدُ بها أطفالَها. وبعدَ أن يغفوَ الجميعُ تقفُ درعاً أمامَ الموت. الأمُ في غزة لا تبكي. تجمعُ الخوفَ، الغضبَ، والدعاءَ في رئتيها، وتنتظرُ أن ينتهيَ أزيزُ الطائراتِ ليتحررَ الزفيرُ. الأمُ في غزة ليست ككلِ الأمهات. تصنعُ الخبزَ بملحٍ طازجٍ من عينيها، وتطعمُ أبناءَها للوطن".

تتنوّع النصوص المكتوبة، والتي تنشر بالاشتراك مع "أفلام س" و"المنصة" و"رصيف 22"، بين وصف الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني منذ أكثر من شهر ونصف، وبين نظرة سوريالية إلى واقع لا تحتمل قسوته ولا يمكن تصديقه رغم كل الألم.

يستهلّ بيان "العمل للأمل" بالسؤال: ما الذي يمكن أن يفعله الأديب أو الفنان في مواجهة المجزرة؟ كيف يستطيعون، هم ونحن معهم، الدفاع عن أنفسهم وأهلهم ضدّ واحد من أقوى جيوش العالم؟ هل ننتظر حتى يتوقّف القتل ونتمكن من دفن موتانا ورثائهم؟ هل نكتفي بمحاولة إرسال مواد طبية وغذائية لا تلبي سوى أقل من واحد في المئة مما يحتاجه أهل غزة؟ هل نوثّق الجريمة الوحشية حتى لا تُنسى وحتى يمكن محاسبة مرتكبيها؟ هل نبكي؟ هل نصرخ غضباً؟ هل نحاول أن نطلب من العالم المساعدة في وقف المذبحة؟ وهذه الساؤلات أنتجت مجموعة من النصوص لكتّاب يسجّلون لحظات يصعب التعبير عنها لكنهم يحاولون.

المساهمون