هل ستغير الصين وجه العالم؟

14 يونيو 2015
(بكين: دار النشر الشعبي، 2015)
+ الخط -
تسود كلمتا "الحزام" و"الطريق" الخطابات السياسية والأكاديمية والعامّة في الصين منذ نهاية السنة الماضية. يُقصَد بالأولى الحزام الاقتصاديّ للطريق الحريريّ البريّ، والثانية الطريق الحريريّ البحريّ في القرن الحادي والعشرين. والاثنان من أحدث الاستراتيجيّات العليا التي وضعها القادة الصينيون لدعم وتجديد وتعميق التعاون الصناعي والزراعي والتجاري والاستثماري والثقافي بين دول آسيا وأوروبا وأفريقيا التي تقع في أو بجانب الطريقين الحريرين القديمين. وهدف الصين من ذلك هو بناء ما يُسمّى رابطة عالمية مستجدّة معتمدة على روح المنفعة المتبادلة والشعور بالمصير المشترك كبديل عن النظام الدولي الحالي الذي يسيطر عليه الإرثان الاستعماريّ والإمْبِرياليّ. أما الدافع الواقع لهذه الأفكار فهو محاولة الاهتداء إلى حوافز جديدة لاقتصاد الصين المتورّط في تباطؤ النموّ وتقلّص زيادة الحوائج الداخلية، من ناحية، وإلى أنماط دبلوماسية جديدة لتخليص الصين من الضغوط السياسية والأمنية سواء في داخلها أو خارجها، من ناحية أخرى.

في كتاب "الحزام والطريق: فرص وتحديّات"، لخّص ييوي وانغ أستاذ دراسات العلاقات الدولية بجامعية رينمين الصينية المواقف السائدة بين السياسيين والأكاديميين الصينين من هاتين الاستراتيجيتين. وتعكس نصف هذه المواقف طموحًا وتفاؤلًا مبالغًا فيه، إذ يصف الأستاذ وانغ "الحزام والطريق" بأنهما خطة ستُحقق تغيّرًا هائلًا غير مسبوق سواء في تاريخ الحضارة الصينية المستمدّة من خمسة آلاف سنة أو في تاريخ حداثة العالم التي بدأت في أوروبا منذ خمسمائة سنة أو في تاريخ الصين الحديث.

غير أنّ وانغ أورد في كتابه أيضًا ما سمّاه مخاطر خمسة قد تواجهها خطة "الحزام والطريق"، يُظهر بها من غير قصد قلق السياسيين والأكاديميين الصينيين على وضع الصين الحالي وشكّهم في تماشي قدراتها مع أثرها المتزايد يوميًّا في الشؤون العالمية. المخاطرة الأولى تتمثل في المجال السياسي الجغرافي، إذ أشار الأستاذ وانغ إلى أنّ خطة "الحزام والطريق" قد تتعرض لمعارضات أو عدم التعاون من دول ضعيفة كفيتنام والفيليبّين ودول صغيرة كبعض الدول العربية ودول كبيرة كالهند ودول قوية كالولايات المتّحدة وروسيا واليابان على السواء، بل بأشكال مختلفة وفق مصالحها الاستراتيجيّة.

المخاطرة الثانية تختص بالأمن، وتشمل كلًا من مخاطر الأمن التقليدية أي الحروب والنزاعات العسكرية ومخاطر الأمن غير التقليدية أي الكوارث الطبيعية، تلوث البيئة، والحركات التمرّدية والإرهابية، إلخ. وعلى الصعيد الأخير، تحدّث وانغ عن الإرهاب والأصولية الإسلامية المتمثّلة في نشطات تنظيم "الدولة الإسلامية" وربطها بالحركات الإرهابية والانفصالية في الصين. كما ذكر الخطر الملحّ التي يأتي بها الدمج بين الحركات الإرهابية والدعوات إلى ما يسمّى "الثورات الملونة".

المخاطرة الثالثة اقتصادية، خاصة احتمالات الفشل الاستثماري الصيني الذي يؤدّي إليه تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي وسوء معاملة الصين مع النظام المالي الدولي الذي ما زال تحت عنان الولايات المتّحدة. كما أبدى وانغ قلقه على سوء معاملة الصين مع الأنظمة والتقاليد القانونية المختلفة في مختلف أصقاع العالم، ويعتبرها مخاطرة قانونية وهي الرابعة.

أما المخاطرة الأخيرة فهي مخاطرة خلقية وقيمية، حيث ينشغل وانغ في سلوك الشركات الصينية والأفراد الصينيين خارج الصين وقدْر موافقتها للقيم السائدة في سياقات مختلفة. وما يهتم به وانغ هو رواج وسيادة "القيم الغربية" في كثير من الدول والمجتمعات في العالم والتحدي الذي تفرضه، وتطرح سؤالًا بشأن كيفية اكتساب الاحترام العالمي للقيم الصينية الصالحة بكون ذلك خطوة ضرورية حاسمة لتقديم صورة الصين الإيجابية في العالم، من ناحية، وتفادي هيمنة "القيم الغربية" التي قد تؤثّر في استقرار الصين الداخلي.

يمكن أن نستخلص من الحديث أعلاه عن المخاطر الخمسة قلقَيْن خفيّين على حاضر الصين ومستقبلها. أحدهما يتركز على عداوة العالم وحذره من نهضة الصين اقتصاديّا وسياسيّا وحضاريّا. يتجلى هذا القلق في تصنيف وانغ دول العالم إلى أربعة أقسام حسب مكاناتها في العالم ومواقفها من الصين. ويبدو وكأن جُلّ هذه الدول يتحاشى بناء علاقة صداقة مخلصة مع الصين بل يستغلّ ربح نموّها على أحسن الأحوال وكبح تطورها المستديم ونهضتها الشاملة على أسوأ الأحوال. وذلك يعاكس صورة الصين في العالم الثالث على الأقلّ خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي لمّا كان كثير من الدول النامية يعتبر جمهوريةَ الصين نموذج المكافحين ضدّ الظلم والقهر للمستعمرين والإمبرياليين، بما ساعد الصين على استعادة عضويتها في الأمم المتّحدة. الحالة تحولت في العقود الأخيرة فالآن يسود العالم تصوّر سلبي عن الصين بكونها المستعمر والإمبريالي الجديد خاصة مع تزايد الاستثمارات الصينية في الخارج. نتيجة من نتائج هذا التصوّر هو التخوف من أن تصبح الصين هدفًا جديدًا للنشاطات الإرهابية، التي تزعم محاربة الهيمنة والقهر والظلم. هل خطة "الحزام" و"الطريق" التي تتّجه إلى العالم الواسع ستعدّل هذا التصوّر أم تثبته؟ سؤال يحيّر السياسيين والأكاديميين الصينيين ومن الصعب إجابته دون التعامل مع القلق الآخر.

(أستاذ مساعد في قسم الدراسات العربية بجامعة بكين)
دلالات
المساهمون