هل القارئ على حقّ؟

10 ديسمبر 2021
سمير رافع/ مصر
+ الخط -

هل القارئ دائماً على حقّ؟ الجواب هو: لا. فتاريخ القراءة يقول لنا إنها مثل الكتابة، حقل صراع، وكلّ جهة من الجهات التي يمثّلها أحد القرّاء تتنازع السلطة في الحقّ، أو على الحقّ.

وإذا ما فكّرنا بكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، فإن تاريخ الأدب يقول إن الرجل قد هُزم في تلك السنوات التي هاجمه فيها جماعة من القرّاء، واضطرّ لتغيير عنوان الكتاب فأصبح "في الأدب الجاهلي"، كما اضطرّ لحذف الفقرات التي اعترض عليها القرّاء الثائرون أيضاً.

ولكنّ التاريخ نفسه يقول إن طه حسين لم يكن وحيداً. لا نعرف الكثير عن قرّاء زمانه، غير أن استجابة المحيط لم تكن معادية له بالمطلق. اشترى الكتاب واحتفظ به قرّاء مجهولون، ناقشوه ودافعوا عنه ضدّ أولئك الذين كتبوا ضدّه وهاجموه. قارئٌ ضدّ قارئ، إذاً. وإذا كان القارئ المعادي قد انتصر في تلك السنوات، فإن الزمن التالي قد انتصر للقارئ الآخر الذي دافع عن كتاب طه حسين. ونحن اليوم في زمن تُعاد فيه طباعة "في الشعر الجاهلي" مع مقدّمات وبيانات توضّح طبيعة المعركة التي أثارها الكتاب، دون أن يكون للقارئ المعادي للكتاب وزنٌ كبير قادرٌ على استعادة تاريخ المنع.

تاريخ القراءة يحفل بقرّاء ليست لديهم ذرّة اعتراف بنسبية معرفتهم

ليس القارئ دائماً على حق، إلّا من وجهة نظره، أو من الزاوية التي تناصر الرأي الذي يبديه تجاه الأعمال الفكرية أو الفنية. هل يحقّ لأيّ قارئ أن يكون حَكَماً على أيّة رواية أو أيّ عمل فني أو فكري؟ أم أن ثقافة القارئ هي التي تحدّد في نهاية الأمر طريقة تذوّقه وفهمه، ومضمون رأيه في الأعمال الفنية والأدبية؟ وما هو المقياس الصحيح الذي يمكن أن نعتمده لدى القرّاء؟

في كلّ قراءة تكون المطالب متّجهة نحو الكاتب: المتعة، أو المعرفة، أو الخطاب الملائم، وجودة العمل؛ وعلى الكاتب أن يعرف توجّهات القرّاء، بحسب إحدى القراءات، كي يكون منسجماً مع أخلاقياتهم وأهوائهم وآرائهم في شؤون الحياة. بينما لا يكون القارئ ملتزماً بأيّة مسؤولية؛ له كامل الحرّية بأن يلقي الكتاب جانباً أو يحرقه أو يؤلّب ضدّه دون أن يحاسَب قانونياً أو أخلاقياً أو مسلكياً، أو دون أن يمتلك ثقافة تؤهّله للحُكم أيضاً، أي دون أن يكون مطالَباً بتأهيل ذاته كقارئ. ولهذا، فإن تاريخ القراءة يحفل بوجود قارئ ليست لديه ذرّة من التواضع أو الاعتراف بنسبية المعرفة، يلقي بالموضوعية والعدالة خلْف ظهره ليقول إن الرواية التي قرأها سيّئة جدّاً أو إنها أفضل رواية في التاريخ.

ومن المفارقات اللافتة أن يكون عالم الكاتب العربيّ اللغويّ، الذي يضمّ قرّاءه، مجزّأً. فالحدود السياسية بين الدول العربية قد تبدو أحياناً فضاءً آمناً يحرّر الكاتب من سطوة القارئ، إذ لا تعترف تلك الحدود بأشكال الرقابة الرسمية وغير الرسمية للدول العربية الأخرى، بحيث تكون الالتزامات، أو أشكال الإلزام، ذاتَ طابع ضيّق يحاصر الكاتب هنا، بينما يتحرّر هناك. فما يمنعه القرّاء - أي سلطة القراءة - في أيّ بلدٍ عربي، يحرّره القرّاء في بلدٍ عربي آخر، والعكس صحيح.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون