نريمان هانم.. لو أنَّ شخصية هربت من رواية

31 مارس 2022
من المعرض
+ الخط -

في شارع عقاراتلار بحيّ بشيكتاش في إسطنبول، مررتُ من باب تاريخي، بالمعنى الحرفي والمجازي، بين المقاهي الأنيقة وأماكن العمل والغاليريهات، حتى وصلتُ إلى معرض "نريمان هانم" للفنانة التركية أوزلام شيمشك، المقام في غاليري "Vision Art Platform" بإسطنبول منذ شباط/ فبراير الماضي.

يضم المعرض، الذي يستمرّ حتى تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، بعضاً من الوثائق المهجورة لنريمان هانم، وبعض الرسائل والصُّوَر الفوتوغرافية ولقطات الأفلام. استلهمت شيمشك فكرة معرضها من شخصية روائية. وأثناء مشاهدتنا لحياة نريمان هانم التي عاشت في تركيا الثلاثينيات كموسيقية ثم فنّانة أداء وأخيراً كمخرجة أفلام تجريبية، نقرأ أيضاً الأسطر المليئة باللوم، التي كتبتها نريمان إلى صديقها الكاتب بيامي صفا (1899 - 1961)، من بينها: "لقد استخدمتَ الأحداث التي نقلتُها لك في سرية بعد ثقتي بك، كمادّة لروايتكَ. حتى إنك رسمتَ شخصيتي على هواك".

الصورة
معرض نريمان هانم
من المعرض

نريمان هانم هي بطلة رواية بيامي صفا "فاتح - حربية" (1931)، إحدى أشهر الروايات في الأدب التركي. ومثلما يُوحي عنوانها، تدور أحداث الرواية حول التوتّر بين نمطَي حياة (شرق - غرب) يمثِّلهما هذان الحيَّان في إسطنبول، أحدهما قديم والآخر جديد. تتنقل البطلة نريمان بين هذين الحيّين، أحدهما يمثّل التقاليد والآخر التحديث/ التغريب، وتحاول البطلة الاختيار بين حبّ رجلين. وبعد أن بقيت بين هذين الرجلين اللذين يمثّل أحدهما نمط الحياة الغربية، والآخر القيم التقليدية، وجدت الطمأنينة والسعادة في الحياة التقليدية والقيم المتأصّلة فيها (مثل المُتوقَّع من صفا، وهو كاتب محافظ).

بصفتها فنّانة تتعامل بشكل متكرّر مع تمثيلات النساء في مجالات مختلفة كالفن والأدب، بممارساتها الخاصة، قامت أوزلام شيمشك، في المعرض، بإخراج شخصية نريمان هانم من هذا التوتّر السلبي الذي حصرها فيه بيامي صفا. كما أسّست حياة أُخرى لنريمان هانم من خلال إسناد هوية حقيقية لها، تسعى من خلالها للبحث عن طريقها الخاص.

شخصية المعرض بطلةُ رواية تركية من الثلاثينيات

شخصية نريمان هانم التي ابتكرتها الفنانة في معرضها باستخدام صور شيمشك الشخصية، وجعلتها تكتب رسائل تعاتب فيها بيامي صفا، تركت الرجلين اللذين يمثّلان نمطَي حياتَين مختلفين في رواية "فاتح - حربية" لأسباب مختلفة، وانتقلت للعيش في منطقة بيرا. اقتنت نريمان ماكينة تصوير فوتوغرافي وماكينة أُخرى 16 ملم، وبدأت في إنتاج صوَر وأفلام تجريبية مختلفة. وعلى جانب آخر، بدأت التمثيل في المسارح والأفلام الأولى للسينما التركية. وقد ذكرت نريمان هانم في رسالة كتبتها إلى صديقتها عام 1951 أنّها ستغادر البلاد وتخرج في رحلة مجهولة، وتركت أفلامها وصورها ووثائقها الخاصة أمانة عندها. وأصبح مصيرها مجهولاً بعد هذه الرحلة.

الصورة
معرض نريمان هانم
من المعرض

كخيال تأمّلي، يمزج المعرض المواد المرئية التي أنتجتها أوزلام شيمشك بالوثائق التاريخية الحقيقية، وقد أخرجت نريمان هانم الشخصية الشهيرة في الفترة المبكّرة للجمهورية من موقع "المُمَثَّل" إلى "المُمَثِّل"، وأعادت نسجها بشكل عضوي.
يُذكِّر المعرض على الفور بـ "متحف البراءة" الشهير لـ أورهان باموق، كمشروع مماثل يعتمد على الأدب. كان المتحف، الذي تم افتتاحه في عام 2012 ولا يزال فعّالاً حتى الآن، محاولة لأن تدعم الأشياءُ الحقيقية والسرد الخيالي بعضها بعضاً، ويعتبر المتحف مبادرة لتخليد سرد الكاتب.

من الممكن أن نقول إنّ أوزلام شيمشك، من خلال تنظيم جلسة "استدعاء الأشباح"، قد سلَّطت نريمان هانم على الروايات الذكورية.


* كاتبة من تركيا

المساهمون