قبل أن ينتهي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014، قرّر مخرجٌ أرجنتينيٌّ رفقة صحافي إسباني الذهاب إلى القطاع لنقل مأساة الحرب عبر عيون الأطفال. وقد تكلّلت تلك الزيارة بإنتاج فيلم وثائقي حمل عنوان "مولود في غزة" (2014)، لمخرجه الأرجنتيني هرنان زين؛ الذي أراد حينها أن ينقل إلى العالم مأساة قطاع غزة المُحاصَر والذي يتعرّض باستمرار لعدوان الاحتلال الإسرائيلي.
ها هي اليوم "منصة نتفليكس" في إسبانيا تُعيد إلى الأذهان تلك المشاهد المؤثّرة التي وثّقها زين بعدسة كاميرته عبر عرض الفيلم على مشاهديها. هي مشاهد لا تختلف في العمق عمّا نشاهده اليوم من عدوان يشنّه الكيان الإسرائيلي لليوم الخامس عشر على التوالي، رداً على عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من الشهر الجاري.
على مدى اثنتين وسبعين دقيقةً، يتتبع الوثائقي الحياة اليومية لعشرة أطفالٍ فلسطينيين يعيشون تحت القصف الإسرائيلي، فهذه سندس التي أصيبت بجرح جراء القصف الإسرائيلي وهي بحاجة إلى عملية خطيرة، لكنها تعيش في حالة انتظار نقلها للخارج للعلاج. وهذا عدي الذي دمّر القصف الإسرائيلي بيته الذي يعيش فيه مع شقيقه الأكبر. وها هو محمد الذي يبحث ليلاً نهاراً كي يجد ما يلقاه ويبيعه من أجل أن يأكل. هذه الحيوات الطفولية وغيرها يوثقها زين عبر عدسة كاميرته التي تنتقل بين أحياء غزة، وبين مستشفياتها، وبين ركام مباني المدينة المتهدّمة، سارداً ومستمعاً إلى شهاداتٍ مؤلمة عن مدى الدمار الذي خلفه عدوان الاحتلال.
فهم الأبعاد الإنسانية لنضال الإنسان الفلسطيني المقاوم
هو عدوان ودمار شبيه كثيراً بالذي نشهده اليوم من قتل للمدنيين العزل تحت شعار "محاربة الإرهاب". هكذا يكذّب المخرج الأرجنتيني عبر عدسته تلك الرواية التي تريد أن تساوي بين الجلاد والضحية، حيث يقدم وثيقة ذات قيمة استثنائية لفهم الأبعاد الإنسانية التي ينطوي عليها نضال الشعب الفلسطيني المقاوم الذي يسعى لتحرير أرضه من الاحتلال، وهو حق شرعي لكل إنسان.
صحيح أن هرنان لا يصوّر عمليات القصف أو القذائف التي تلقيها الطائرات، ويكتفي بتصوير الرعب في عيون الأطفال العشرة، في كلماتهم التي ينطقونها، لكنها تبدو كافية للتعبير عن الظلم. إنها عيون جفّت من الدموع، أمام الكاميرا وخلفها. ولكن رغم كل هذا الجفاف الموجود في العيون، لا يمكن لمُشاهد الفيلم إلا أن يتماهى مع محمد، أو عدي، أو سندس، أو آلاف الأطفال الموجودين في غزة الذين يحلم بعضهم بمجرّد الذهاب إلى البحر.
هكذا يكتسب عرض فيلم "مولود في غزة" أهمية، خصوصاً في ظل هذا عدوان الإبادة الإسرائيلي الجاري على غزة الآن، إذ إن من شأنه أن يُساهم في كشف الحقيقة، وتعرية السردية الصهيوينة في العالم إضافة إلى نقل صورة صادقة للعذابات والمآسي التي يتعرّض لها المدنيون في فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.