استمع إلى الملخص
- الشخصيات في المخيم تتنوع في تصرفاتها؛ القلّاز ينصب الكمائن للذباب، أبو شمم يرشد اللاجئين لتجنب قرصات النحل، والهرمانو خوسيه يرقص مع النساء اللاتينيات.
- المخيم يشهد توترات وجودية؛ محمد الليبي يتأمل المؤخرات ويبكي، أشرف يحاول صيد إوزة، وجواو من الكونغو يحلم باصطياد الخفافيش.
صيف بروخم القصير كافر. عدواني جدّاً، على العاملين في الزراعة، وحتى على الكامنين تحت أسقفهم، يلهثون. البارحة شفت بعض الرفاق والرفيقات في البلوكات، مع جميع أنواع حركات الرقص لهذا القيظ.
صيف بروخم هو كذلك موسم لتنامي النزوات، وإتيان ما ليس في البال أو على أجندة التوقّع. واضح أن العيش بتوقيت شمال أوروبا الصيفي، له طرائف ومواقف خاصة به وحده. هذا الطقس الاستوائي ينوّع على الأرجح في الحركات وفي الإيقاعات متعددة الجنسيات.
القلّاز مثلاً صار خبيراً في نصب الكمائن للذباب. أبو شمم بلغ درجة أرقى في سلّم الكائنات: هو اليوم مختص بإرشاد اللاجئين كيف يتحاشون قرصات النحل الفلمنكي الشائع في موسم كهذا. النحل الذي لو فتحت فمك ورشفت من كوب القهوة، لشعرت بعد ثوان بقرصة في أعلى الحلق، وعندئذ تفهم فتبصق النحلة. أما الهرمانو خوسيه (لم يرق بعد إلى درجة: "الكامارادا)، فغير شكل والله: صار يرقص في الليل وفي النهار، مع البعض من نساء قومه اللاتيني.
العيش بتوقيت شمال أوروبا الصيفي له طرائف ومواقف خاصة به وحده
أما هنّة "الأسِسْتِن"، فكل أسبوع يمضي، يقصر طول شورتها وتزداد مساحات الانكشاف في نصفها العلوي، حتى تكاد تكون ـ لا مؤاخذة يعني ـ غير مستورة بالمرة. ليكاد حجم لباسها الداخلي المقتضب جداً، يكفي لتغطية نصفها العلوي.
أما محمد الليبي، فيكثر من شرب البلاوي، ويزيد من ساعات تلاوته للقرآن، ويوبّخ ثوار الناتو المغفلين، ثم يقوم يؤذن للفجر في تمام الواحدة صباحاً، وقبل هذا وبعده، يمعن في تأمل المؤخرات، ويبكي بلا سبب، من دون مقدمات.
أما الولد أشرف فحكايته حكاية. كل فجر يخرج ويركب الباص لأنتويرب القريبة. هناك، والجو أزرق، يدخل المتنزه الكبير القريب من حيّ دورنا، بنيّة صيد بجعة عملاقة باهرة البياض، تسبح في البحيرة الصغيرة.
أقول له إنها إوزّة عملاقة بعيون زرق، فينفعل: إنت إيش عرّفك؟ هل تعرف ما هو الوزّ أصلاً، وخبرة طفولتك كلها مع تربية الدجاج والبط الشرشيري؟
الحاصل أن الشرطة ضبطته قبل يومين وهو يضع الإوزة في كيس نايلون أسود، فلم يخرج إلا بعد يومين كاملين، ولولا حجة المختص النفسي أنه يعاني الذهان، ما خرج. أما رفيقنا جواو من الكونغو، فقد حوّله القيظ من وداعة الأفارقة المشهودة، إلى حالم باصطياد الخفافيش. يتخيلها تنتشر في ليل البلوكات، فيجري خلفها بعصاً. لا حول ولا قوة إلا بك يا رب.
جواو أفضل عقل مثقف في المخيم. كل يوم نمضي ساعات في الحديث المختلط ما بين إسباني وبرتغالي. هو يعي كل ما لا يعيه سواد اللاجئين. لا حول ولا قوة إلا بك يا رب.
هم جميعاً على قلق وجودي، من أول مصاب بالهوس الأحادي إلى المستذئب الإداري. وهو الصيف الفظيع يعبرهم، فيعبّرون بدورهم عن التوترات التي كانت سائدة في المخيم في هذا الفصل من السنة. قلبي مع الجميع والله، لأن... حتى السماء ليست معهم.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا