"منازل الأمس": محكمة عاطفية ليس فيها مذنب واحد

09 مايو 2023
سومر شحادة (تـ: خليل سرحيل)
+ الخط -

ما إن انتهيت من قراءة رواية "منازل الأمس"، العمل الثالث للروائي السوري سومر شحادة (دار الكرمة، 2023)، حتى شعرت بقلق شديد على مؤلِّفها؛ فمن كان قادراً على تمرير ذلك الحزن الوافر بخفّة، سيخفي الكثير منه في قلبه. 

لم يكن هدف الراوي أن يمنح قرّاءه كتلة الألم هذه، ربما أراد أن يدفع بهذا الألم بعيداً عنه فأصابنا به.

يبدو لي أن الكاتب لم يفكر في نشر روايته هذه بتاتاً، ولم يكن يعنيه في أعماق نفسه إن كانت رواية ناجحة أم لا، هو أراد أن يكتب قصة نسرين بكل صدق ونجح في ذلك.

لقد تناوب الراويان "كارم" و"نسرين" على إكمال ترتيب لوحة من قطع متناثرة، وقدّم لنا صاحب "الهجران" رواية تشبه تقنيتها رواية "الطيار" للكاتب الروسي يفيغني فودولازكين، حيث إنك تتلقى قطعاً متفرقة من الحكاية، وتُكمل ترتيبها في مخيلتك، ما يجعلك كقارئ تشارك الكاتب مشغله السردي.

لم يكن أي من شخوص هذه الرواية شريراً، لقد ترك لنا الكاتب تبريراً لكلّ الشرور والمواقف الضبابية، لقد سمح لنا أن نرى حياة حقيقية كاملة لحبيبين في محنتهما (ومحنتنا) الإنسانية.

لقد سمح لنا العمل برؤية حياة حقيقية كاملة لحبيبين في محنتهما

لقد فعل سومر شحادة ما يَعجز الكثير من الكتّاب عن فعله، بأن يكتب عن الأحداث العادية بطريقة غير عادية وبالغة السحر. فلو تابعنا سير الحكاية فهي لم تكن سوى انفصال شريكين بعد زواج استمر ثمانية عشر عاماً، لكنها حكاية سرّية عنّا نحن الذين قرأنا الرواية بصوت منخفض، كي لا يفتضح أمرنا. 

لقد كشف الكاتب عن مخاوفنا التي لم نجرؤ على تداولها مع أنفسنا، غامر الكاتب مع نفسه كثيراً، وتصارح معها إلى الدرجة التي عرف بها عن نفسه، وعنّا، ما يضعه موضع العارف، فمكنته تجربته الحسّية والنفسية، أن يلقي خطاب الاعتراف هذا بالنيابة عن قرّائه.

وما يجدر بي قوله هو أنني أحسد أو أغبط الكاتب على هدوئه في استخدام مفرداته، لقد كان عارفاً باللحظة التي تحتاج الجملة فيها هذه المفردة من سواها، لم يترك لي ولو لمرّة واحدة أن أطعن بإضافة كلمة للنص في غير مكانها، لم يُتِح لسلطة اللغة عنده أن تعكّر مرور السرد الهادئ نحو النهاية.

تشعرك الرواية أن كاتبها يعرف أين يضع قدمه، وإلى أي اتجاه سيقودك مع السّرد، وإلى إي حزن سينتهي بك.

وفي العودة لـ"منازل الأمس"، يتناوب كل من نسرين وكارم عبر فصول الرواية، كلٌّ منهم يروي دفاعه عن نفسه أمام جرم الانفصال الذي ستنتهي به حكايتنا. لتنتهي الرواية أشبه ما يكون بمحكمة عاطفية ليس فيها مذنب واحد.

الصورة
غلاف

 

بطاقة
صدرت لسومر شحادة (مواليد اللاذقية، 1989) ثلاث روايات: "حقول الذرة" (2016، دار "ممدوح عدوان")، التي حازت في العام نفسه على "جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي"، و"الهجران" (2019، دار "التنوير")، الحاصلة أيضاً على "جائزة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي" عام 2021، و"منازل الأمس" (2023، دار "الكرمة").
 

* كاتب من العراق

المساهمون