مقتل الغد في "وادي الفراشات"

02 سبتمبر 2024
تعود إلى عام 1999 مع إطلالات على أزمنة أعقبت الاحتلال
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الزمن والمصائر في "وادي الفراشات"**: تدور أحداث الرواية في عام 1999 مع إطلالات على فترات ما بعد الاحتلال، وتروي حكاية شخصية رئيسية تعاني من انهيارات تعكس واقع العراقيين.
- **قصة حب عزيز عوّاد**: تتناول الرواية قصة شاب عاشق يدعى عزيز عوّاد، الذي يفتقر إلى المال والعمل والعائلة، ويقتل الفقر وانعدام المستقبل حبهما، مما يعكس ضياع المستقبل.
- **رمزية وادي الفراشات**: وادي الفراشات هو المكان الذي يدفن فيه عزيز الأطفال مجهولي الهوية، وتعكس الرواية واقع العراق القاتل الذي مات فيه الأطفال بسبب نقص الأدوية وفقر المشافي.

الزمن في رواية الكاتب العراقي أزهر جرجيس (1973) "وادي الفراشات" قديمٌ نسبياً، ويعود بمعظم أحداثه إلى عام 1999، مع إطلالات على أزمنة أعقبت الاحتلال، حيث تنتهي مصائر الشخصيات. لكنّ حال الشخصية الرئيسية التي تقصّ الروايةُ حكايتها بقي رهيناً لسياق انهيارات متتالية، لا تتوقّف، بصورة تَظهر كما لو أنّها انهيارات أوسع من الشخصية. انهيارات لم تُتِح للعراقيين أن يصنعوا تجربة عيش طويلة خالية من الحروب. والرواية بمقولتها العامّة يمكن أن تكون حكايةً عن مقتل الطفولة، وعن هدمِ البشر.

الرواية الصادرة حديثاً عن "دار الرافدين" و"ميسكيلياني" حكاية شابّ عاشق، لا يحوز سوى الحُبّ، ليس لديه المال أو العمل أو العائلة التي يعتدّ المرء بها، كي يتقدّم إلى الفتاة التي أحبّها. مع ذلك، يتقدّم عزيز عوّاد لخطبة زميلته في قسم المسرح عدداً من المرّات، يطرده والدها، إلى أن يتدخّل وسطاء بينهما، ويدرك الأب تعلُّق ابنته به. وهكذا، يتزوّج العاشقان. ومثل الكثير من قصص الحُبّ التي تحدث في ظروف صعبة، ما إن يرتبط العاشقان حتّى يُقتل الحبُّ بينهما؛ يقتله الفقر، يقتله انعدام المستقبل.

والنصّ يطوّر رمزاً لتجسيد ذلك القتل للحُبّ، وهو عدم القدرة على الإنجاب. إذ حتّى عندما يحدث الحمل، يحدث شيءٌ يجهضه، إلى أن يَثبت الحمل في النهاية. ومع الإنجاب في المرة الثالثة يفترق الزوجان، لأنّ ابنهما، الناجي الوحيد من سلسلة تعثّر الإنجاب، يضيع، يخرج من المنزل المتهالك من غير أن يعود، ومن غير أن يعرف أحدٌ طريقه، يتوه من غير أملٍ بالعودة. الطفل الذي يتوه ببساطة ويختفي بصورة غامضة، ليس سوى استعارة عن المستقبل.

حكاية تسير في سياقٍ واحد يودي بصاحبها وبقصّة حُبّه

حكاية عزيز عوّاد أشبه بالمتتالية التي تسير في سياقٍ واحد، وهو سياقٌ يودي به، وبقصّة حُبّه. إذ ما إن يبدأ عملاً حتّى يترصّد به فشلٌ ما، بدءاً من بيع الأفلام الممنوعة في التسعينيات، إلى تورّطه بكتاب ممنوع في أثناء عمله بمكتبة خاله، إلى تورّطه بالجلوس في ملهىً ليلي. ودائماً هناك من ينقذه، خاله جبران، إلى أن يتورّط بقضية لن يستطيع إخراجه منها، وهي نقله جثّة ليدفنها في "وادي الفراشات"، فيُتَّهم بالمتاجرة بالأعضاء، وهذا يحدث بعد سنوات من الاحتلال.

بلا شكّ، وادي الفراشات الذي أعطاه جرجيس اسم الرواية هو صلب هذه الحكاية العراقية، والوادي مكان يَدفن فيه عزيز عوّاد الأطفال مجهولي الهوية - بعد أن استقرّ في العمل سائق تاكسي - وقد عمل لفترة في أرشيف كلّية الفنون، إلا أنّه فُصل، كما عهدنا في هذه الرواية التي تهتمّ بتهافُت الهزائم، أكثر مما تهتمّ بصناعة معركة فعلية مع الحياة، أو داخل الشخصيّة الواهمة الحالمة. في النهاية، الأرشيف الذي سيملأه عزيز هو دفتر الأرواح، لا أرشيف كلّية الفنون. وسيكتب على صفحات الدفتر قصص أولئك الأطفال الذين غدر بهم العراق، وطنهم.

إذاً، إنّها رواية عراقية، عن عراقٍ مات فيه الأطفال بسبب نقص الأدوية، وفقر المشافي في سنوات الحصار، وبسبب الظروف غير الإنسانية، وغير المؤاتية أساساً لنجاح العلاقات وبناء الأُسر. إنّها رواية عن وطنٍ قاتل، وبساطةُ الحكاية لم تُخفِّف من حرارة الألم الذي فيها. على العكس، لربما تلك الحكاية العادية عن فشل الزواج، وعن المعارك الوهمية التي لم يتوقّف عزيز عوّاد عن إعلانها على الآخرين؛ لربما عبر تلك الحكاية التي تظهر عاديّة في بلدٍ لم يعرف الاستقرار منذ استقلاله، مع بساطة الموت والفشل العامّ وإعدام المستقبل، ليسا سوى العراق نفسه.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون