مفكرة المترجم: مع هشام فهمي

18 يوليو 2022
هشام فهمي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم "الأدب الفانتازي جدير بالتقدير وأحلم أن ينالَ انتشاراً أوسع بين الجمهور"، يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- أثناء دراستي الأدب الإنكليزي، كانت الترجمة من الموادّ القليلة التي وجدتُ نفسي أُوليها اهتمامًا خاصًّا خارج المنهج المقرَّر، فمثلًا كنتُ أترجمُ مع بعض الزملاء أغانيَ وقصائد من الإنكليزيَّة وإليها، ويأخذ بعضنا ملاحظات بعض. وخلال الدراسة الجامعيَّة بدأتُ احتراف الترجمة، بعملي في ترجمة الأفلام والمسلسلات التي تُعرَض على الشاشات العربية، وهو ما أفادني في تحصيل المصطلحات والتعبيرات الدارجة، لأنّ اللغة الكلاسيكيَّة التي نتعلَّمها في الجامعة لا تكفي وحدها لعمل المترجم. مارستُ الترجمة في مجالاتٍ عدَّة، ووجدتُني شغوفًا بترجمة الأدب، وهو ما وجدتُ فيه نفسي واسترحتُ إليه.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- "الحقيقة كهف: في الجبال السوداء" لـ نيل جايمان، وهي رواية قصيرة للأطفال. حاليًّا أعملُ على رواية للكبار للمؤلِّف نفسه.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟

- العقبات كثيرة. قلَّة التقدير منها، فعددٌ ليس بقليل من الناس يعتقد أن المسألة مجرَّد وضع كلمة مقابل كلمة. العائد المادِّي الذي لا يرقى إلى المستوى العالمي عقبة أخرى. لكن من أكبر العقبات في اعتقادي، الرقابة. رقابة الناشر الذي لا يريد أن يُمنع كتابُه في بلدان معيَّنة، وبالتالي يضطر المترجِم أحيانًا إلى استخدام مفردات مختلفة قد تكون أقلّ دقّة ممّا يقتضيه النص، وهو ما يؤثِّر على أمانة نقل طبائع الشخصيات والأحداث نفسها. ورقابة القارئ الذي يفترض أن لكلمةٍ معيَّنة مرادفًا واحدًا صحيحًا فقط وكل ما عداه خطأ، أو أن العربيَّة قادرة على التعبير عن كل شيء من كلّ ثقافة مهما كان فيرفض أي كلمة غير فصيحة، أو أن على المترجم التزام ما يأتي على هوى ثقافة القارئ دون اعتبارٍ لثقافة النص أو كاتبه، مع أن الغرض من الترجمة أصلًا نقل الثقافات الأخرى الغريبة عنا.

تفاعُلي مع الشخصيات والتحدي بتطوير ما لدي هما معياراي

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- إذا كان المؤلِّف يحتاج إلى محرِّر، فلمَ لا يحتاج إليه المترجِم أيضًا؟ صحيح أن عمل المحرِّر يختلف في الترجمة، لكنه مهمّ من حيث اصطياد الأخطاء الصياغيَّة والشائعة والعبارات التي قد تكون ركيكةً، ولفت نظر المترجِم إلى ما يحتاج إلى توضيح داخل النص أو شرح في هامش. في جميع الأحوال، من صالح العمل وجود عين أخرى عليه غير عين المترجم الذي قد يغفل عن أخطائه. عملتُ مع محرِّرين في أكثر ما ترجمتُ، وتعلَّمتُ منهم الكثير، وفي بعض الأحيان علَّمتهم أيضًا.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- أعدُّ نفسي محظوظًا بعلاقتي مع الناشرين، لأن كل ما ترجمته حتى الآن كان إمَّا عناوين رغبتُ في ترجمتها وتحمَّس لها الناشر، مثل "أغنيَّة الجليد والنار"، وإمَّا عناوين عُرضت عليَّ وكنتُ راغبًا في ترجمتها بالفعل ولم تحظَ بفرصة، منها عمل كبير سيصدر العام القادم، وإمَّا عناوين عُرضت عليَّ فقرأتها ووجدتُني راغبًا في ترجمتها.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- لا أضعُ ذلك في اعتباري على الإطلاق. المعيار الوحيد عندي في اختيار العمل، هو أن أحبَّ العمل وأجدني منغمسًا فيه ومتفاعلًا مع شخصياته، وأن أجد في نفسي القدرة على نقله إلى العربيَّة بما يليق به، وأن أجد فيه تحدّيات لغويَّة جديدة تُمكنني من تطوير نفسي. 


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- لا أزعمُ أن لي علاقة قوية بأيٍّ ممَّن ترجمتُ لهم. أحيانًا احتجتُ إلى استشارة المؤلِّف لأستوضحَ منه نقطة معيَّنة، وتواصلتُ مع باتريك نِس صاحب "نداء الوحش" ومادلين ميلر صاحبة "سرسي" عن طريق الوكيل الأدبي. أمَّا مَن تواصلتُ معه شخصيًّا باستمرار فهو نيل جايمان الذي ترجمتُ له أكثر من عمل، والرجل يرحِّب دومًا بالإجابة عن الأسئلة وتوضيح الملتبِس.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- الكاتب في داخلي ليس إلا كاتب مقالات بين الحين والآخر، لكنّي لا أملكُ موهبة روائيَّةً على الإطلاق، لهذا فالعلاقة هي بيني مترجِمًا وبين جميع مَن قرأتُ لهم وتعلَّمتُ منهم وكوَّنتُ من كُتبهم حصيلتي اللغويَّة.

مِن صالح العمل وجود عين أُخرى عليه غير عين المترجِم

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- هي شيء مشجِّع طبعًا من حيث التقدير الأدبي والمادِّي، لكن أكثرها لا يلتفت إطلاقًا إلى الأعمال الأدبيَّة المترجَمة عمومًا، وهو ما أرجو أن يتغيَّر.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- لا أرى ما يعيب المشاريع الفرديَّة، لأنها تُتيح للمترجِم الشغوف بمجال معيَّن في لغة معيَّنة أن يركِّز على ما يحبُّه، وبالتالي يُخرج ترجمةً أفضل، فإذا أضيف إلى هذا دعمُ المؤسّسات بقدراتها، لتتبنَّى مشروع المترجِم وتنافس به، بدلًا من توزيع العناوين على المترجمين بالتكليف بِغضّ النظر عن الأهليَّة، فسيزدهر كلا النوعين من المشاريع جنبًا إلى جنب.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- بعد القراءة الأولى التي تحدِّد قبولي العمل من عدمه، أشرعُ في قراءة ثانية وأترك لنفسي ملاحظات وتنبيهات وأفكارًا قصيرة، وأقرأ عن الكاتب والكتاب، وقبل ترجمة كل فصل أُعيد القراءة ثانيةً، ثم أراجعُ الفصل بعد ترجمته، وبعدها مراجعات أُخرى، والاطّلاع على ملاحظات المحرِّر والمدقِّق اللغوي، حتى "بروفا" الطباعة. 


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- لم أندم إطلاقًا على أيِّ عملٍ ترجمته، لكنني بالتأكيد ندمتُ مرارًا على عدم إلمامي بمعلومةٍ ما وقت ترجمة هذا الكتاب أو ذاك، أو وقوعي في خطأ نحوي أو حتى ترجمي، أو استخدامي صياغةً في فقرةٍ ما كان يمكن أن تكون أفضل. ولكن هكذا الترجمة، هي عمليَّة تعلُّم لا تنتهي، نستكشف خلالها نقاط القوّة والضعف في الأعمال السابقة لتصبَّ في مصلحة الأعمال التالية. 


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- أرجو أن يجد كلُّ مترجم محبٍّ لعمله وللغة ومُخلصٍ لهما، أن يجد فرصةً لنشر أعماله دون التعرُّض لقيود النشر والتوزيع والرقابة، وأن يُبدعَ في ما يحبُّ ويُلهمَ غيره. حلمي الشخصي، الذي أراه بدأ يتحقَّق، أن ينال أدب الفانتازيا والخيال العلمي، الذي أفضِّل ترجمته عن غيره، انتشارًا أوسع بين الجمهور واهتمامًا أكبر من النقاد والدوريات الأدبيَّة العربيَّة، مثلما يناله في الخارج منذ أكثر من نصف قرن، لأنه أدب جدير بالتقدير، وكأيِّ لونٍ أدبي آخر له أساتذته، والمعيار الوحيد للحُكم عليه هو جودة الكتابة.


بطاقة
مُترجم وكاتب مصري، مواليد الإسكندريَّة (1983)، ترجمَ عددًا من الأعمال العالميّة، ينتمي أكثرها إلى أدب الفانتازيا. ومنها: "الهوبيت" لـ تولكين (2007)، و"أغنيَّة الجليد والنار" لـ جورج ر. ر. مارتن، (2015 - 2020)، و"فرانكنشتاين" لـ ماري شِلي (2014)، و"المحيط في نهاية الدَّرب" (2014) و"كورالاين" (2019) و"الحقيقة كهف في الجبال السَّوداء" (2022) لـ نيل جايمان، و"سرسي" لـ مادلين ميلر (2021).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون