تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "العقبات التي تواجه الترجمة ليست كلها مادية، لأن معظم المترجمين العرب يحرّكهم الشغف بعملهم"، تقول المترجمة المصرية في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- دخلت مجال الترجمة عندما قرّرت أن أترجم عملًا صعبًا ولكنه مميّز، هو رواية السيرة الذاتية "نموذج طفولة" للكاتبة الألمانية كريستا ڨولف. وكان قراري نابعًا من الرغبة في إبلاغ القارئ العربي بما كتبته الكاتبة الألمانية عن واقع الدول الشمولية. وكانت الرغبة ملحّة إلى درجة أني ترجمته بدون أن أعرف ما الذي يمكن أن أفعله بالترجمة، وإذا كنت سأجد مَن ينشرها. ثم تطوّر العمل في الترجمة وظهرت عدّة ترجمات لي، وبدأت دور النشر تخاطبني بدلًا من أن أخاطبها، ولكني ما زلت لا أترجم إلّا ما أحبّه، وما أحمل تجاهه شغفًا ورغبة قويّة في إخبار الآخرين ــ الذين لا يتقنون الألمانية ــ عنه.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟
- آخر ما صدر من ترجماتي كتاب "سياسة الإذلال: مجالات القوّة والعجز" للمؤرّخة الألمانية المعروفة أوتا فريفرت، وصدر عن "دار ممدوح عدوان". وأترجم حاليًا كتابًا بعنوان "الحب عن بعد"، وهو تأمّلات ذاتية عن الحياة الشخصية والعملية للكاتبة بترا هارت، وهي واحدة من روّاد صناعة النشر في ألمانيا، وسيصدر عن "منشورات الجمل".
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- أكبر عقبة هي أنّ الترجمة ليست مهنة أساسية يعتمد عليها المترجم، لتدرّ عليه دخلًا منتظمًا وثابتًا وكافيًا، ولهذا فهو يترجم في أوقات الفراغ فقط. ممّا يؤثر على إنتاجه وعلى عدد الكتب المترجمة في سوق الكتاب العربي. ولكنّ العقبات التي تواجه الترجمة والمترجمين ليست كلّها مادية، لأنّ معظم المترجمين العرب يحرّكهم الشغف بالترجمة. المترجم لا يقف وحده ويعمل وحده وينجز العمل وحده، فهو طرف في صناعة بأكملها، هي صناعة النشر، ولهذه الصناعة أطراف عديدة تعمل كلّها لصالح العمل المنشور، مترجمًا أم غير مترجم. وتعاني هذه الصناعة كثيرًا، بدءًا من غياب دعم حقيقي من قِبَل الدول، إلى جانب عدم وجود مكتبات عامّة توفّر الكتب، وتدعم القرّاء وصناعة الكتاب أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، يعاني المترجم العربي من وجود فجوة في المعرفة، ممّا يؤثر على المصطلحات التي يقابلها في أثناء الترجمة، فكثير من هذه المصطلحات لا مقابل لها في اللغة العربية نظرًا لهذه الفجوة المعرفية.
المترجم ناقدٌ في الأساس، يفسّر النص لنفسه وينقله للقارئ
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- نعم، بكلّ تأكيد، هناك مَن يحرّر ترجماتي، وقد بدأ ذلك يتحسّن كثيرًا في السنوات الأخيرة، ودور المحرّر دورٌ هام ومطلوب، وبدونه لا ينجح أي كاتب وليس فقط المترجم.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقتي مع كلّ مَن تعاملت معهم من الناشرين علاقة تقوم على أساس الاحترام المتبادل لدور كلّ منا، فالناشر لا يغير من النص بدون موافقتي، كما أني لا أتدخّل في اختيار العناوين، لأني مؤمنة أن الناشر هو مَن عليه عبء التسويق للكتاب، وهو مَن يختار العناوين الجاذبة للقرّاء. وأنا دائمًا أقول إنّ الكاتب أو المترجم ليس هو النجم الأوحد في مجال الكتب، فهناك دور هام للناشر في التفاوض على حقوق الملكية الفكرية في حالة الكتاب المترجم، ثمّ هناك دور للمحرّر، ثمّ مصمّم الغلاف، ثمّ التوزيع والتسويق. كلّ هؤلاء شركاء في صناعة نشر الكتاب، ويتقاسمون الأدوار، ويعتمد نجاح الكتاب على كلّ هؤلاء، لذلك أرى أن احترام أدوار كلّ مَن يساهم في إنتاج الكتاب المترجم وغير المترجم ضروري.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- أنا لا أترجم كتبًا تتعارض مع رؤيتي للحياة بشكل عام، بما في ذلك رؤيتي السياسية. ولا أهتمّ بموقف الكاتب السياسي بقدر ما أهتمّ بألّا يكون مروّجًا لموقف سياسي معارض لرؤيتي في الكتب التي أترجمها. فعلى سبيل المثال، كان الكاتب النمساوي بيتر هاندكه، الحائز جائزة "نوبل"، حاضرًا في جنازة الرئيس الصربي المتّهم بارتكاب جرائم حرب، سلوبودان ميلوشيفيتش. وبرّر هاندكه حضوره الجنازة بأنّ هذا الرئيس كان يمثّل بالنسبة له آخر أمل في بقاء يوغوسلافيا موحّدة، والتي حزن لرؤيتها تنهار، لكنّ هاندكه لم يروّج في أي من كتبه لميلوشيفيتش وسياساته، ولهذا وافقتُ على ترجمة عملين من أعماله.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- في العادة لا أترجم إلّا ما أحبه، وهذا يعني أنّني أحب الكتب التي أترجمها، وأحبّ أعمال مؤلّفيها، وأتواصل أحيانًا مع المؤلّف إذا كان ذلك ممكنًا للتأكّد من فهمي لبعض الجمل.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- أنا لا أكتب كتبًا أدبية، بل أكتب في النقد الثقافي، وهذا لا يتعارض أبدًا مع الترجمة لأنّ المترجم هو ناقدٌ في الأساس، فهو يفسّر النص لنفسه، وينقل هذا التفسير للقارئ في سياق ثقافي ولغوي مغاير، أعتقد أنّ كتابتي وتعمّقي في النقد الثقافي أفادني كثيرًا في الترجمة، وفي فهم سياق الكتب التي أترجمها، والسياق الذي أنقل إليه النص المترجم. لكنّي أعرف أنّه قد يكون للأديب الذي يعمل في الترجمة أسلوبه في الكتابة، ما قد يطغى أحيانًا على أسلوب النص المترجم بشكل غير مقصود.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- أعتقد أنّها خطوة مهمة جدًا، ففي ظلّ غياب برامج دعم مستدامة تقدّمها الحكومات للترجمة، فالجوائز هي محاولات للتعويض عن هذا الغياب. والجميل هو وجود جوائز للترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، وهذا ما نفتقده بشدّة، أعني دعم الدول والحكومات العربية لترجمة الآداب والأعمال الفكرية العربية إلى اللغات الأخرى، وذلك على عكس باقي الدول العالم التي تروّج لترجمة أدبها وأعمالها الفكرية من خلال برامج دعم.
يعاني المترجم العربي من وجود فجوة في المعرفة
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- أعتقد أن مشكلة غياب رؤية متكاملة لدور المؤسّسات الحكومية هي العقبة الرئيسية أمام صناعة النشر، وبالتالي الترجمة. فقد كان من الأفضل أن تترك دور النشر الحكومية مهمّة نشر الكتب، المترجمة وغير المترجمة، لدور النشر الخاصّة ولا تنافسها في ذلك، كما يحدث في كلّ دول العالم. ويصبح دور الدولة هو دور الداعم وليس المنتج، أي تدعم الناشرين عن طريق منحٍ لإنتاج الكتب التي لا تلقى رواجًا وعن طريق التوسّع في المكتبات العامة وتغذيتها بالكتب المختلفة، مترجمةً وغير مترجمة. أما مشاريع الترجمة المؤسّساتية فهي هامة في الاتجاه العكسي مثل معظم الدول، أيْ دعم ترجمة الأدب والأعمال الفكرية العربية إلى اللغات الأخرى.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- مبدأي هو أن أترجم فقط ما أحبّه، فإذا أحببت العمل استطعت ترجمته، وإن لم أحبّه استعصى عليّ نقله إلى سياقنا الثقافي. أنا بطيئة إلى حدّ ما في الترجمة، وربّما هذه أسوأ عاداتي، فأنا أترجم النص وأعود إليه أكثر من مرّة، بعد أن أكون قد اتّخذت مسافة منه، لأراه بعينٍ أخرى.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- ندمت على ترجمة "نموذج طفولة" للكاتبة كريستا ڨولف على الرغم من حبّي الشديد لهذا العمل، فالعمل لم يحرّر من قبل دار النشر، ولم يحظ بتدقيق لغوي، وكنت أتمنى لو أعدت ترجمته ونشره من جديد لأتفادى هذه الأخطاء.
■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
- أتمنّى أن أجد معاجم للمصطلحات الجديدة في اللغات الأخرى الخاصّة بالعلوم والتكنولوجيا والفلسفة والأدب، فأسوأ شيء هو أن يجد المترجم نفسه مجبرًا على اختراع مصطلح جديد، وقد يترجمه مترجم آخر ترجمة أُخرى. كما أحلم بوجود الكثير والكثير من المكتبات العامّة المنتشرة في كلّ مكان، وأتمنّى أن تتوفّر المكتبات الرقمية أيضًا على كتب كثيرة مترجمة وغير مترجمة ومتاحة للقراءة باشتراكات بسيطة، فأكثر شيء يهمّ المترجم هو أن تُقرأ ترجماته.
بطاقة
مترجمة وأكاديمية مصرية حصلت على الدكتوراه في الأدب المقارن من "جامعة القاهرة"، قسم اللغة الألمانية، عام 1996، وعملت بتدريس الأدب الألماني والأدب المقارن في جامعة القاهرة حتى عام 2013، كما عملت بين 2003 و2016 رئيسًا لـ"المؤسسة الثقافية السويسرية" في القاهرة. صدر لها في التأليف: "ديني ودين الناس: الدين والعلمانية والثورة" (2017) و"ن النسوية" (2019). وصدر لها في الترجمة عن الألمانية: "عصور الأدب الألماني: تحوّلات الواقع ومسارات التجديد" (2002) لِباربارا باومان وبريجيت أوبرله، و"نظرية الپارتيزان: استطراد حول مفهوم السياسي" (2009) لِكارل شميت، و"مثلًا أخي" (2005) لِأوفه تيم، و"حزن غير محتمل" (2020) لِبيتر هاندكه، و"تمرّد الفلاحين المصريين 1919: الصراع بين المجتمع الزراعي والاستعمار في مصر 1820 - 1919" (2020) لراينهارد شولتسه، و"سياسة الإذلال: مجالات القوة والعجز" (2021) لِأوتا فريفرت.