مفكرة المترجم: مع عبد الرحمن عادل

01 ديسمبر 2021
عبد الرحمن عادل
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "كلُّ ما أطمح إليه كمترجم هو أن أجد فُرصاً لترجمة ما أحبّ، وأن تُقدَّر الترجمات مالياً وأدبياً كما يجب"، يقول المترجم المصري في لقائه مع "العربي الجديد".
 

■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
بدأَت حكايتي مع الترجمة مع مشروع تخرُّجي في كلّية الاقتصاد والعلوم السياسية، كان بحثاً في النظرية السياسية عن كارل شميت. حينها لم تتوفّر ترجمات لأعماله، فكان عليّ ترجمة أجزاء منها. كانت تجربةً ممتعة جعلتني أتحيّن الفرصة لأوّل بداية عملية، والتي أتت مع ترجمة وثائقي بعنوان The Century of the Self مع أحد أصدقائي، ثم بدأت رحلتي مع مجال الترجمة الصحافية، إلى أن وجدتُ فرصة في عالم النشر.

■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
كتاب "في ظلّ شجرة عثمان" لأستاذ ورئيس قسم التاريخ في "جامعة ييل" آلن ميخائيل، هو آخر ترجماتي المنشورة، وقد صدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون". حالياً، أعمل على ترجمة كتاب آخر للمؤلّف نفسه.

■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
الترجمة ليست عملاً. تلك هي الحقيقة التي رفضتُ القبول بها لفترة طويلة، وهي ذاتها العقبة الأُولى أمام أي مترجم. ولذلك أسباب عدّة؛ منها مثلاً دورة الكتاب منذ أن تقع عيني عليه إلى أن يُنشر، وبينهما انتظار ربّما لن تشهد نهايته. فكثير من الناشرين يُحجم عن التعامل معك إن لم تكن اسماً كبيراً بالفعل - وكأنّ هؤلاء قد وُلدوا على هذه الشاكلة - أو لن يُعيرك اهتماماً ما لم تكن تحمل من الألقاب الأكاديمية ما يقيه عناء التعريف بك، وبعض الدُّور الكبيرة تقبل بالعمل مع الأكاديميّين دون التحقُّق من أهلية هؤلاء المترجمين، ثم يكتشفون أنَّ الترجمة لا تصلح للنشر، وتُرسل إلى مترجم آخر. وهكذا تدفع أجر الترجمة مرّتَين! ومن تلك الأسباب أيضاً ضعف المقابل المادي كما هو معروف، ومحدودية سوق الكتاب.

كلُّ ما أطمح إليه كمترجم هو أن أجد فُرصاً لترجمة ما أحبّ

■ هناك قول بأنّ المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمّة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
بالطبع، فكما قال القاضي الفاضل: "إنّي رأيتُ أنّه لا يكتب إنسانٌ كتاباً في يومه إلّا قال في غدِه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل". في لحظة معيّنة، تَألف عيني الترجمة حتى أكاد لا أرى أخطاءَ واضحةً. المحرّر هو عيني الثانية، ومن دونه لا أرى الترجمة صالحةً للنشر، ومن حسن حظّي أنّ لي صديقَين يتحمّلان منّي ما لا يُطاق من أجل تحرير أيّ نصّ أُخرجه.

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، لا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
أمّا عن مسألة اختيار العناوين، فعادةً أختار العناوين بنفسي، وأتواصل مع المؤلّف صاحب الكتاب وأتبيّن رغبته وموقف الحقوق ثم أتواصل مع الناشرين.

■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تُترجمها، وإلى أيّ درجة تتوقّف عند الطرح السياسي للمادّة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
أتصوَّر أنّ الجانب السياسي حاضرٌ دائماً في ما يخصُّ النشر في العالم العربي، وأحياناً يتسبّب في منع مشاريع ترجمة. أمّا بعيداً عن هذا الجانب، فالأمر متوقّف على طبيعة المادّة نفسها وسياق نشرها بالعربية، فربما يكون النص الأصلي أو صاحبه مرتبطاً بمواقف سياسية أختلف معها، ولا يمنع ذلك من ترجمة النصّ لعرض الفكرة وإتاحتها وليس الترويج لها. وإن كنتَ ستختار الترجمات عامّةً من باب اتفاقك معها سياسياً، فأمامك باب التأليف وانطلِق.

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
استرشاد واستعلاء إن جاز التعبير. أرجع إلى المؤلّف - ما وسعني ذلك - كلّما استعصى عليّ فهم النص. وفي الوقت نفسه، أحرص على وضع مسافة تفصلني عن المؤلّف ونصّه حتى لا أصير أسيراً لأسلوبه وتراكيبه، وتكون النتيجة نصّاً عربيّاً يقابل الإنكليزي نعم، لكنّه لا يُفهم من دونها. وبشكل عام، حظيتُ بتجارب جيّدة مع المؤلّفين لا سيما آلن ميخائيل؛ فقد ساعدني بكلّ طريقة ممكنة، وكان مُعيناً لي على مستويات مختلفة إلى حدّ لم أتخيّله.

■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
لم أرَ نفسي يوماً كاتباً، ولا أعتقد أنّني قد أتّجه للتأليف، وأشعر أحياناً أنّ الترجمة ملاذ للهروب من تلك التجربة والاكتفاء بالتعبير عمّا أريد من خلال اختيارات الترجمة كلّما أمكنني ذلك.

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
مبادرات رائعة، وأتمنّى أن تتوسّع بصرف النظر عن القيمة المالية للجائزة.

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسّساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
تقييم مشاريع الترجمة المؤسّساتية يحتاج إلى تحليل واسع. وبشكل عام، لا أرى توجُّهاً أو لوناً مُحدَّداً لتلك المشاريع بقدر اهتمامها بالإنتاج كمّاً، فضلاً عن جودة الترجمات. ومشاريع الترجمة الحكومية هي أبرز الأمثلة على ذلك، ولو انسحبتْ وتركَت المجال لدور النشر الخاصة لكان أفضل.

تعمل بعض الدور مع أكاديميّين لا تتحقّق من أهليتهم للترجمة

■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أقرأ الكتاب كاملاً وأتوقّف للبحث عمّا استشكل عليّ، وإن كان الكتابُ يضمّ اقتباسات عربية مطوَّلة مثل كتابي الأخير، فأُفضّل جمعها أولًا. كما أضع معيار سلاسة النص ومقروئيته في المقام الأول حتى لو استلزم ذلك حذفاً أو تقديماً أو تأخيراً بما لا يُخلّ بالنص الأصلي. وقد تختلف عاداتي بحسب الكتاب.

■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على ترجمات، لكن كانت هناك تجارب سيّئة مع بعض الناشرين. وعلى كل حال، لم يكن لي أن تعلّم إلّا بهذه الطريقة.

■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أعتقد أنّ زمن الأحلام العريضة بالنسبة إلى الجيل الذي شهد السنوات العشر الأخيرة قد انتهى، وكلُّ ما أطمح إليه كمترجم هو أن أجد فُرصاً لترجمة ما أحبّ، وأن تُقدَّر الترجمات مالياً وأدبياً كما يجب.


بطاقة
مترجم مصري من مواليد عام 1992. تخرَّج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة عام 2015. يعمل مترجماً صحافياً منذ عام 2016، وصدرت له عدّة ترجمات لأوراق بحثية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانيات منها: "النيوليبرالية بوصفها تدميراً خلاّقاً" لـ ديفيد هارفي، و"المركزية الأوروبية وتمثّلاتها: مأزق العلوم الاجتماعية" لـ إيمانويل والرستين. كما صدرت له ترجمة بعنوان "الشريعة وتحديات الحداثة" تحرير إيفون يزبك باربارا إشتوفازر عن "عالم الأدب" عام 2019، وكتاب "في ظلّ شجرة عثمان" لـ آلن ميخائيل عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" عام 2021. يعمل حالياً على ترجمة كتاب آخر للمؤلّف نفسه.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون