تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أن نقدّم للقارئ أعمالاً وأدباءً لا يعرفهم، هذا هو دورنا الفعليّ كمترجمين"، تقول المترجمة العُمانية في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟
بدأتُ بالصدفة، في النصف الأول من التسعينيات. كنت طالبة في كلّية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية، في "جامعة القاهرة"، وأتدرّب كصحافية في جريدة "أخبار الأدب" الأسبوعية، يتلخّص معظم عملي في تغطية الندوات أو تقديم قراءات للكتب الصادرة حديثاً. حينها طلب منّي الأستاذ جمال الغيطاني، رحمه الله، ترجمة لقاء مع الكاتب النيجيري الحاصل على جائزة "نوبل" وولي سوينكا. تردّدتُ طويلاً، لأنني لم أكن مقتنعة بقدرتي على إتمام هذه المهمّة، لكنني رضخت لطلبه، أمام إصراره. حظيت الترجمة بإعجابه، وتلقّيتُ ثناءً من العديدين عليها، ما شجّعني على البدء في ترجمة نصوص مختلفة، معظمها قصص قصيرة. واصلتُ بعدها ترجمة ونشر القصص القصيرة في مطبوعات مختلفة لعدّة سنوات.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
آخر ما نُشِر من ترجماتي هو رواية "سِفر دانيال"، للكاتب الأميركي إي إل دوكترو، التي تعتمد في أحداثها على القضية الشهيرة التي اتُّهم فيها جوليوس وإيثيل روزنبرغ بالتجسّس لصالح الاتّحاد السوفييتي، في أوائل خمسينيات القرن العشرين، والتي انتهت بإعدامهما بعد نحو عامين من بدء محاكمتهما. كتب دوكترو روايته من خلال عينيّ الابن الأكبر لبطليّ العمل. كما انتهيتُ مؤخّراً من ترجمة رواية للكاتبة الزيمبابوية تسيتسي دانغاريمبغا، وسلّمتها لدار النشر؛ وأعمل حالياً على ترجمة رواية ثانية للكاتبة ذاتها.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
لستُ ملمّة بجميع المشكلات التي تواجه المترجم العربي، بطبيعة الحال. لكنّنا نواجه أحياناً تعنّتاً من دور النشر الأجنبية، ووضعها شروطاً صعبة التحقيق، مثلما حدث عند ترجمتي لإحدى الروايات الفنلندية، عن لغةٍ وسيطةٍ هي الإنكليزية؛ إذ اشترطت دار النشر الأجنبية أن يكون مترجم العمل متخصّصاً في اللغة الفنلندية. بعد مباحثات طويلة، تمكّنت دار النشر العربية من إقناعهم بمنحها حقوق النشر، وخرج الكتاب للنور أخيراً.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة مَن يحرّر ترجماتكِ بعد الانتهاء منها؟
دُور النشر التي أتعامل معها تُخضِع أعمالي ــ وأعمال غيري من زملائي المترجمين ــ لمراجعة المُحرّرين. لا أجد عيباً في ذلك، بل أرى أنها مسألة مريحة، إذ إن الأمر لا يخلو من أخطاء تُرتكب من باب السهو والنسيان، أو العجلة. أحترم جدَّاً المحرّرين الذين أتعامل معهم، ولا أجد في عملهم انتقاصاً من عملي أو مجهودي، فنحن نكمّل بعضنا بعضاً، ليخرج الكتاب بأفضل صورة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
تجمعني علاقة صداقة ومودّة واحترام متبادل مع جميع مَن أتعامل معهم في مجالي، سواء الناشرين أو المحرّرين أو المترجمين. أترك للناشر مهمّة اختيار العناوين، بالكامل، ولا أتدخّل بها، إلّا إذا طُلِب مني ذلك، لأنه يمتلك خبرة أكبر منّي، ويعرف جيَّداً ما يجذب القارئ.
لا أجد في عمل المحرر انتقاصاً من جهدي، فنحن نكمّل بعضنا بعضاً
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
بدايةً، نادراً ما أتولّى عرض العمل الذي أرغب في ترجمته على الناشر. ما يحدث عادةً هو أنني أتلقّى اقتراحات من دار النشر بعدّة عناوين مختلفة، أختار من بينها ما أراه الأنسب لي. لا توجد اعتبارات سياسية بعينها أتمسّك بها عند اختيار العمل. يكفيني أن تكون له جوانب إنسانية، وهو ما يتوافر في معظم ما ترجمته حتى الآن، مثل "لا صديق سوى الجبال"، الذي يصف فيه الصحافي والشاعر الإيراني الكردي بهروز بوتشاني صور القسوة والإهانة التي تعرّض لها اللاجئون الذين مُنِعوا من دخول أستراليا. قد يبدو العمل سياسياً للوهلة الأولى، لكنه في حقيقته مليء بالمشاعر الإنسانية، التي تثير تعاطف القارئ مع هؤلاء اللاجئين. في "فندق الغرباء" للكاتب البلجيكي ديميتري فيرهولست عرض آخر لحياة اللاجئين في مخيّم ببلجيكا. رغم أن الموضوع بائس وتعيس، إلّا أن الكاتب عمد لتقديمه بشكل كوميدي ساخر، لا يفتقر للإنسانية، وإثارة التعاطف مع الشخصيات العديدة للعمل.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
في معظم الأحيان، لا أعرفهم بشكلٍ شخصي، وأترك لدار النشر مهمّة التواصل معهم أو إرسال استفساراتي لهم؛ لكن هناك مؤلّفين يتمتعون بالودّ واللباقة ويحرصون على التواصل مع المترجم، وعلى رأسهم الكاتب الهندي عبد الله خان، الذي لا أزال على تواصل معه، بعد نشر النسخة العربية من روايته Patna’s Blues، التي نُشِرت باسم "أحزان هندية". هناك أيضاً المترجم والأستاذ الجامعي أوميد توفيقيان، الأسترالي من أصل إيراني، الذي جمعتنا علاقة طيبة وتواصل مستمرّ خلال ترجمة "لا صديق سوى الجبال"، إذ كان هو من تولّى ترجمة النسخة الإنكليزية من العمل، واستفدتُ كثيراً من آرائه واقتراحاته. سُعدت أيضاً بالتعامل مع الكاتبة الصينية يي ماي، التي حرصتْ على إرسال لوحة بالخطّ الصيني لي، عقب نشر النسخة العربية من مجموعتها القصصية "سبع ليالٍ في حدائق الورد"، بترجمتي.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
هناك صراع دائم، داخلي، بين الاثنين. أكتب قصصاً قصيرة، ولكن على فترات متباعدة، بسبب ضيق الوقت. عملُنا يستهلك ساعات طويلة، بين قراءة وبحث ومراجعة، ما يجعل الكتابة الإبداعية تتراجع دوماً لصالح الترجمة والالتزام بمواعيد تسليم الأعمال المطلوبة لدار النشر.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
بشكلٍ عامّ ــ ولا أخصّ الترجمة تحديداً، وإنما مجالات الأدب والإبداع كافّة ــ هناك جوائز مهمّة بطبيعة الحال، وهناك جوائز تشوبها شبهة المجاملات والمصالح، وهو شيء معروف. أفضّل أن يقدّم المبدع أحسن ما لديه، دون أن ينشغل بالسعي وراء الجوائز والتكريمات وغيرها، لأن في ذلك استهلاكاً للطاقة والمجهود والتركيز. إذا أتت، فأهلاً وسهلاً بها، وإذا لم تأتِ، فلا بأس!
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أحرص على قراءة العمل قراءة سريعة فور استلامي له، لأرى إن كان يعجبني أم لا، وإن كنت سأتمكّن من التعامل معه لأشهرٍ طويلة، إذ لا أحب ترجمة عمل لا يستهويني. بعدها، أقرأ كلّ فصل بتمعّن، قبل البدء في ترجمته. لا أستطيع العمل في صمتٍ تامّ، ولا بدّ من وجود صوت موسيقى أو راديو بجانبي. أشرب كوباً من الشاي أو فنجاناً من القهوة، خصوصاً إذا كنت أعاني من النعاس.
■ كتاب أو نص ندمتِ على ترجمته ولماذا؟
حتى اللحظة، لم أندم على ترجمة أيّ عمل، الحمد لله، لكنني تمنّيت ــ مع بعض الكتب ــ لو نالت دعاية أكبر، أو اهتماماً أكثر.
■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمكِ كمترجمة؟
أتمنى أن تحظى الترجمة باهتمامٍ أكبر، من الناشرين والقرّاء، وأن نتوقف قليلاً عن إعادة ترجمة عناوين بعينها من الأعمال الكلاسيكية، بصورةٍ متكرّرة، وأن نقدّم للقارئ أعمالاً وأدباءً لا يعرفهم، لأن هذا هو دورنا الفعلي كمترجمين. أتمنى أيضاً أن يحرص جميع الناشرين على إبراز اسم المترجم على غلاف الكتاب، فهذا أبسط حقوقه، لأنه شريك فيه؛ وأن يحرص النقّاد والصحافيون على كتابته في موضوعاتهم التي تعرض العمل أو تقدّم قراءة له، للسبب ذاته.
شخصياً، أحلم بشيئين متناقضين تماماً، الأول هو ترجمة أعمال معيّنة من الأدب الهندي الحديث، والثاني هو أخذ إجازة طويلة جدَّاً أمتنع فيها عن العمل تماماً، أسافر فيها لبلدانٍ عدّة، دون توقّف.
بطاقة
مترجمة عن الإنكليزية وقاصّة عُمانية، من مواليد مسقط عام 1972، وتقيم في القاهرة منذ 1990. تخرّجت في كلّية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية، في "جامعة القاهرة" (1995)، كما حصلت على دبلوم التذوّق الفنّي من معهد النقد، في أكاديمية الفنون (1997). صدرت لها العديد من الترجمات الروائية عن "دار العربي" في القاهرة، من بينها: "حديقة الكلاب" للفنلندية صوفي أوكسانين (2022)، و"أحزان هندية" للهندي عبد الله خان (2021)، و"القنّاص" للمقدوني بلايز مينيفسكي (2017)، و"زيارة لمكتبات العالم" للإسباني خورخي كاريون (2018)، و"اسمي نور" للأرجنتينية إلسا أوسوريو (2018)، و"الموت في بابل.. الحب في إسطنبول" للتركي إسكندر بالا (2018)، و"سِفر دانيال" للأميركي إي إل دوكترو عن دار "كلمات" (2022). ومن ترجماتها في القصّة: "سبع ليالٍ في حدائق الورد" للصينية يي ماي (2017)، و"سَحَر" للتركي من أصل كردي صلاح الدين دميرتاش.