مع غزّة: ملاك أشرف

11 مارس 2024
ملاك أشرف
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "لنكره الكيان الاستعماري بما يكفي لإزالته نهائياً"، تقول الكاتبة والصحافية العراقية في لقائها مع "العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- ما يشغلني في هذه الأيّام، أو بالأحرى منذُ فترةٍ طويلة، هو الجهل. هذه الأجيال تجهل مَن تكون "إسرائيل"، وبما أنّها تجهل ذلك الكيان السامّ، فهي لن تستطيع المقاومة وصدّ الهجمات كما ينبغي تمامًا؛ كونها لا تكره "إسرائيل" بما يكفي لإزالتها نهائيًا. كان كُتّاب وشُعراء فلسطين يعرفون عدوّهم جيّدًا؛ وعليه فإنّ الأدب كان أكثر حضورًا وأعلى صوتًا من أدب اليوم. هناك مَن يعرف كيف يقتل حشدًا وهميًّا وهشًّا من خلال قصيدة واحدة فقط، مثل: محمود درويش وقصيدته "أنا عربي"، وسميح القاسم وقصيدته "سأقاوم يا عدوّ الشمس".


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- لم يؤثّر هذا العدوان في حياتي حديثًا، بل بدأ تأثيره في روتين حياتي اليومية والتأليفية الخاصّة منذ زمن؛ إذ شرعتُ في الكتابة عن فلسطين منذُ أولى مُحاولاتي الجادّة في عالم الأدب، حيث أوضحَت أُولى مقالاتي النقديّة طبيعة شِعر حنّا أبو حنّا الذي لم يتوسّل شِعره صحيفة، ومن ثمّ مقال نقديّ ثانٍ عن غسّان كنفاني، قُدِّم في قسم اللُّغة العربيّة في كلّية الآداب أمام جمهور واعٍ، لمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

ولأني لا أحبّ الصراخ أو لفت الانتباه، حاولتُ تذكير الجميع في الثالث عشر من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي إلى الرفض الصارم لكيان اسمه "إسرائيل" ولكلمة اسمها "الصراع". إنّما يُسمّى هذا الكيان كياناً بربرياً يُواجه حركة تحرير فلسطينيّة، تُقاتل من أجل العدالة واسترداد الحقّ فحسب؛ لترافقه كتابات هادئة عن المنسيّين والحروب لاحقًا، تتضمّن رسائل مجازية عن النجاة من أخطار العالم وتغيراته السريعة الهجينة. يبدو أنّ حياة المرء العربيّ ستكون دائمًا سلسلة من الرفض الخائب.


■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- إنّ الاستمراريّة في شيءٍ ما تقهر العدوّ، وتزعزع ثباته المُزيّف؛ لذا كُلّما أَصرّ الإنسان على هدفهِ حقّق في النهاية ما يأمله، وإن استغرق الأمر وقتًا مديدًا، لا بُدَّ أن ننتجَ أعمالًا خلّاقة تُشير إلى تهذيب النفس، وتحريك الوعي والاهتمام بالمهمّشين، أن نكتبَ كلماتٍ تُنقذ المرء، وتجعله يواصل مقاومته، وليس العكس. البشريّة في حاجة إلى الإنسانيّة، إلى التعاطف والذاكرة، والأهمّ من ذلك تدريب الذات على الشعور بالآخر بغضّ النظر عن هُويّته. إنّ إيقاف الاستمرار في القراءة والكتابة هو ما يريده العدوّ حتّى لا نفقد الجهل والركود، وانعدام الإحساس في المُقابل هو مبتغى الإبادة المتواصلة.

لنكره الكيان الاستعماري بما يكفي لإزالته نهائياً

■ لو قُيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أبدأ كُلّ يوم من جديد، لأنّني ببساطة أكتب في الأدب الاعترافي، وهذا أدب يتطلّب أن نستحضر التجارب والمواقف الفرديّة الحقيقيّة، سواء أكانت في المجال الإنساني أو السياسي، فالهروب من السياسة والنضال هو السياسة أو الخيانة ذاتها. أرى أنّ المجال الإبداعيّ عامة هو المجال الوحيد الذي ينتشل الشخص من الاغتراب والضياع. لا أستطيع تحمّل المنفى والوحدة والضياع وحدي؛ لذلك لن أستبدل أو أُهمل الآداب والفنون.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- أريدُ أن يكون العالم خاليًا من الإنكار والخداع والخذلان. وأنا أنتظر أن يرى الشخص المنسيّ العابر، ويتعاطف معهُ كيلا يستسلم أو ينتحر في ما بعد. أتوقّع منه أن يدفعَ بالهامش الصادق إلى المتن والمتن المُخاتل إلى الهامش!


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟

- بالتأكيد سيكون غسّان كنفاني. أقول له لو كان أمامي: قضية الإنسان هي معرفة الحقيقة ورؤية المنسيّ والخائف، لن أموت قبل أن أصبحَ ندًّا أو درسًا صغيرًا للعيون المُبصرة.


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- تذكّروا ما قاله كنفاني: لا قيمة للحياة دون الأمل العميق الأخضر، لا يمكن أن تكون السماء قاسية إلى لا حدود. أمّا أنا فأقول: هذا العالم الحقير صفع الجميع، العدوّ في منزلنا جميعًا، وأوصلنا إلى الذلّ، والأمل وحده لا يستطيع، مهما بلغت حدّته، أن ينتجَ صفعةً قوية أُخرى؛ لذا فإنّ أمثالنا يحتاجون إلى التفكير والإرادة والصبر والإصرار.. ينبغي للإنسان المقاوم أن يكون عنيدًا، وإلّا فإنه سيترك نضاله بلا وقود.


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- لا شيء أقوى من العلم والمعرفة. يصدّ الأوهام والأكاذيب مَن كانَ عارفًا ومُطّلعًا بغزارة على الأمور كلها بقدر الإمكان، قدّسوا المعرفة والحُرّية، علينا أن نعيش أو نموت كالرجال، أي بشجاعةٍ وحُرّية لا مُقابل لها، الحُرّية التي هي نفسها المقابل على حدِّ تعبير غسّان كنفاني.


■ حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟

- لن يُشفى أحد من جرح الخيبة والغربة. أنا لا أنشر الإحباط، بل أسعى نحو الواقع والاعتراف، أتدرون ما الخسارة؟ هي أن يموت الإنسان في النهاية، وهو خالٍ من المحاولة والكفاح، أتدرون ما النسيان؟ هو أن يغادرَ الإنسان فارغًا من أيّ قصص أو أحداث تتعلّق بالحُرّية واليقظة، ثمن الخلود هو الموت ظلمًا، ثمن الخلود هو الصوت الصادح، وليس الصمت السائد!



بطاقة

شاعرة وصحافية عراقيّة من مواليد 2001، حاصلة على شهادة البكالوريوس في الأدب العربي من كلّية الآداب. نشرت العديد من المقالات والتحقيقات والقصائد في الصحف العربية.

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون