مع غزّة: عبد الستار جبر

18 يونيو 2024
عبد الستار جبر
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأكاديمي العراقي يصف العدوان على غزة كجرح في الذات الإنسانية، مؤكدًا على فقدان الإنسانية وتحول غزة إلى مسرح دموي يومي يعرض الوحشية البشرية.
- يؤمن بأن الأدب يمكن أن يكون وسيلة للمواجهة وصرخة ضد الظلم، معتبرًا إياه رسالة أخلاقية وصوتًا للأطفال والنساء العاجزين.
- يدعو إلى استيقاظ روح الإنسانية وتحميل المسؤولية لآلة القتل، مطالبًا بموقف عربي قوي ومعبرًا عن تضامنه مع أهل غزة وإرادة فلسطين التي لن تُباد.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "بحاجة إلى موقف عربيّ أكثر قوةً ومواجَهة" يقول الأكاديمي العراقي لـ "العربي الجديد".


■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- يفتح العدوان على غزّة جرحاً في الذات، جرح الصدمة بفقدان الإنسانية، واستشراء الروح الوحشية البشعة التي تفتك بالآخر؛ أيّاً كان، طفلاً أو امرأة، وكأنّ مارد الانتقام جنّ جنونه، ولا غاية له سوى الإبادة والتطهير العرقي، فحوّل غزّة إلى مسرحٍ للقتل اليومي الممنهَج؛ مسرحٌ دموي حيّ يُجبرنا فيه يومياً على مشاهدة دراما الوحشية البشرية، ويجعلنا شهوداً متخاذلين في إنقاذ الأرواح التي تُزهقها آلة القتل الإسرائيلية.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- إنَّنا، إزاء مشاهد الدمار اليومي التي يبثّها الإعلام، تخترقنا رسائل العدوان لتهزّ وجداننا وتنتهك سلامنا، فتتحوّل إلى مسلسل يوميّ يريد تغذيتنا بصور العنف الدموي وخراب الديار، ليُحوّل فلسطين في أعيننا إلى خرائب وأطلال، ويعوّدنا على اجترار مشاهد القتل والإبادة، وهو ما يدفع إلى عكس مراده، فتنتفض الكرامة والحسّ الأخلاقي بالإدانة والشجب والاستنكار والرفض القاطع.


■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- الأدب ضميرٌ حيّ، صوتٌ آخر للمواجَهة، إنّه رسالة أخلاقية لا تقبل المهادنة والمساومة، وهو صرخة العدالة ضدّ الظلم والطغيان، صرخة السلم والسلام ضدّ العنف والإبادة، إنّه صوت من لا صوت له، صوت الأطفال والنساء العاجزين وهُم ينتظرون دورهم ليموتوا. إنّه صوت الإنسانية التي تُدين الوحشية وتسعى لإيقاف آلة القتل البشعة.

إرادة فلسطين لن تُباد مهما أُثخن فيها قتلاً وتدميراً

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- أن تستيقظ روح الإنسانية في النفوس، فتنطلق موجات الاحتجاج في شوارع العالم قاطبةً، وتتحوّل إلى مدّ أخلاقي جارف يوقف عجلة القتل الصهيوني، ويُحمّلها مسؤولية الجرائم، ويصرخ في وجهها بصوتٍ واحد، صوت الرفض القاطع والإدانة، ويُخضعها للمحاسبة والمعاقبة، فيُرسي بذلك قواعد العدالة للنظام الدولي المنشود.


■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- ليس الصمود عنواناً لمجدِ غزّة فحسب، بل أصبحت غزّة أيقونة للتضحية والفداء، والحياة فيها ليست كالحياة في بقية مدن العالم؛ إنّها حياة تنبثق من رحم الموت، حياة العزة والشموخ، فحيثما يُخيّم الموت فيها في كلّ خطوة من شوارعها وبيوتها، يولَد إصرار على الحياة الأبيّة، وتُولَد حياة الكرامة، وتستنهض طاقتها من إرادة فلسطين التي لن تُباد مهما أثخن فيها الأوغاد القتل والدمار.


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- ليست القوميّة رابطاً وجدانياً وحيداً يدعو للتآزر والتكاتف والتضامن مع أهل غزّة وهُم يتعرضون للإبادة الجماعية، بل الرابطة الإنسانية وما تستوجبه من موقف أخلاقي ثابت وحاسم تجاه الأفعال المشينة لآلة القتل الصهيونية، وهو ما يعني أنّ الموقف العربي له دافعان كبيران للوقوف مع فلسطين: القومي والإنساني، فهل ارتقى هذا الموقف العربيّ إلى مستوى الحدث الجَلل الذي يجتاح كيان الجسد الفلسطيني المثخن بالقتل والدمار؟ نحن بحاجة إلى موقف عربيّ أكثر قوّةً وتحدّياً ومواجَهة.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- من الصعب أن تخاطب طفلةً خسرت عائلتها، ففقدان العائلة وجعٌ كبير، وثلمة في الروح، وغصّة في القلب، لكن دارين بقيت لتكون شاهداً على الوحشية، وبرعماً يكبر وقد سقته دماء العائلة بالتضحية لتصمد غزّة، وتكون دارين أيقونة للطفولة الفلسطينية التي تُنتهك براءتها وسلامها وسعادتها، لكنّها تبقى امرأة فلسطينية بعمر الطفولة، فتاة نضجت قبل أوانها، وعرفت أنّ الوطن أغلى من كلّ شيء.


بطاقة

أكاديمي وناقد ومترجم عراقي من مواليد بغداد عام 1969. صدر له في القصّة: "وتأخَّر الذوبان" (2000)، وفي الشعر: "عصفور الصّمت" (2009)، وفي النقد: "تجلّيات الّلغة البصرية: قراءة في مجموعة 45 مئوي لمحمد خضير" (2001)، و"كيف نُحلّل الحكاية؟ التراث والتأويل في النقد العربي الحديث، عبد الفتاح كيليطو أنموذجاً" (2019)، و"الهوية والذاكرة الجمعية: إعادة إنتاج الأدب العربي قبل الإسلام، أيام العرب أنموذجاً" (2019). له في الترجمة: "إشكاليات الذاكرة والسيرة والمغازي: مقاربات استشراقية في تاريخ الإسلام المبكّر" (2020)، و"كيف ندرس الشعر العربي القديم: مقاربات استشراقية في جدل السياق والشعرية" (2021)، و"كيف ندرس الأدب" (2022).

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون