يفرّق جبرا إبراهيم جبرا بين موضوعٍ وموضوع في مقالته "الرواية العربية والموضوع الكبير" (كتاب "الرحلة الثامنة"). ففي نصفها الأوّل، يتّهم الرواية العربية بالتفاهة والمراهقة وانعدام الخيال وانتسابه إلى ما هو سوقيّ ومبتذَل. والسبب في تقديره هو خلوّ هذه الرواية من الموضوع الكبير.
وما هو الموضوع الكبير؟ يقول جبرا إن الفن الروائي "قد تطوّر في خطّ واحد هو خطّ المأساة، والمأساة، بحسب تعريف أرسطو، تصويرٌ للفرد وهو يجابه القوى الكبرى، مهما لبست هذه القوى من أقنعة". وسوف نستنج برفقته أن الرواية العربية، إلى الزمن الذي كتب فيه مقالته، تخلو من حِسّ المأساة، أي من الموضوع الكبير.
أمّا في القسم الثاني من مقالته ـ والظاهر أن هناك زمناً يزيد على ثلاث سنوات بين القسمين ـ فهو يسْخر من تلك المواضيع التي يزعم أصحابها أنها كبيرة، حين يستعير كلاماً من مقالة للناقد الإنكليزي كينث تاينان يهزأ فيه من أولئك الذين يحدّدون لأنفسهم موضوعاً "كبيراً" للكتابة عنه في رواية، مثل: التفرقة العنصرية، أو الثورة، أو فلسفة السلطة، أو القنبلة الهيدروجينية، دون أن يُعيد النظر في تعميمه السابق عن الرواية العربية.
تعكس المقالة بشقّيها طبيعة الصراع السياسي الذي كان سائداً في حقبة الستّينيات من القرن العشرين في العالم العربي، بين تيّار اليسار الذي كان يحتفي بموضوعات الصراع الطبقي والفكري والسياسي، وبين التيّارات الأخرى، الليبرالية، التي راحت ترسم للأدب موضوعات مأساة الفرد الميتافيزيقية والوجودية. واللافت أن كلا الموضوعين يشغل أوقات الإنسان، ولكنّ الشروط من جهة، واجتزاء الهموم الإنسانية من جهة أخرى، تدبر لغايات لاأدبية.
لا يشير جبرا إلى ذلك، غير أن هجاءه للرواية العربية يبدو مبالغاً به. ففي منتصف الستّينيات، كان عددٌ من الأسماء قد ظهر في الرواية العربية، وقدّم مقترحات روائية وأعمالاً أكثر جدارة من رواية "يوميات نائب في الأرياف"، مثلاً، لتوفيق الحكيم، التي يعتبرها الناقد "من أفضل ما أُنتج في الأدب الروائي العربي حتى أواسط الخمسينيات"، وهي لا تُعَدّ رواية مؤسِّسة في الأدب العربي أيضاً، وتعاني من مشاكل عديدة في البناء الفنّي.
بينما كان حنّا مينه وعبد الرحمن الشرقاوي ـ وأستثني هنا نجيب محفوظ لأنه تحصيل حاصل ـ وهاني الراهب وجورج سالم ويوسف إدريس ويوسف السباعي في بعض رواياته، قد حقّقوا تطوّراً لافتا في تاريخ الرواية العربية. ومن الصعب العثور على روائي حقيقي يفعل مثل ذلك، ومن الواضح أن المقالة تنحاز إلى طرف دون الآخر، لهجاء نمط معين من الرواية العربية التي كان ينشغل أصحابها بمثل تلك القضايا "الكبرى".
سيظلّ الخلاف على الموضوع وأهمّيته قائماً في جميع الآداب والثقافات. ففي حوار بين بورخيس وإرنستو ساباتو، يقول الأخير إن شكسبير كان يستقي مواضيع أعماله من كتّاب ثانويين، وكان يؤلّف من الخطوط الثانوية لتلك المواضيع مآسيه العظيمة، ما يعني أن الموضوع يكاد يكون شيئاً لا يُذكر. بينما يقول بورخيس: أنا لا أبحث عن الموضوع؛ أترك له أمر مطاردتي.
* روائي من سورية