مصعب أبو توهة.. فلسطين على بُعد قصيدة

03 فبراير 2024
مصعب أبو توهة
+ الخط -

"الشاعر الغزّي: في الحرب والاختطاف والنزوح" عنوان حواريّة مجلّة "فسحة" الإلكترونية، التي عُقدت عبر منصّة "زوم" مساء الأربعاء الماضي، واستضافت فيها الباحثة الفلسطينية نور بعلوشة الشاعر مصعب أبو توهة (1992)، الذي تحدّث عن شهادته على حرب الإبادة الصهيونية في مدينته غزّة، والتي تعرّض خلالها للاختطاف من قبل جيش الاحتلال وهو في طريقه نازحاً إلى رفح، كما تطرّق إلى تجربة الكتابة خلال الحرب، وعن النزوح والنجاة، وتأثير ذلك على نصّه الأدبيّ.

انطلق صاحب "أشياء قد تجدها مُخبّأة في أُذني" من مبدأ واضح عنده: "لا شِعر بلا إنسانية. الشاعر يجب أن يكون قد وصل إلى مرحلة عالية من الإنسانية، وهذا ما يجعل الشاعر شاعراً"، ثمّ استذكر طفولته في مخيّم الشاطئ بغزّة حيث وُلد: "هناكَ لا توجد نوافذ أو أبواب كلّ البيوت مفتوحة على بعض"، واعتبر ما تعيشه غزّة اليوم من حرب إبادة جماعية امتداداً لحروب متكرّرة، عمَد الاحتلال إلى شنِّها كلّ عام.

وتابع: "كتابة الشعر ليست رفاهية، وفي غزّة أيّ مشهد نراه هو عبارة عن قصيدة، لكنّ الكتابة، طبعاً، لا تأتي بطريقة تلقائية. فمثلاً كنتُ قد رأيتُ صورةً لطفلة استشهدت وهي بين يدَي والدها الذي كان يركض بها إلى المستشفى، فكتبتُ بالإنكليزية قصيدةً بعنوان 'للحظات'، تخيّلتُ نفسي مكانَ الأب والجميع يجري ورائي، والطفلة تستمدّ الحياة من كلّ هذا الحشد. هذا ما يعنيه أن تكون شاعراً في غزّة.. أن تعيش متلازمة النور والظلام، الحياة والموت".

تطرّق الشاعر الفلسطيني، أيضاً، إلى مفهوم الذاكرة، حيث رأى أنّها غير مُرتبطة بالإنسان فقط، بل بالمكان أيضاً، "لكنّ اليوم هناك انطباعٌ آخر عن المكان. لم تعُد المدرسة مكاناً للتعلُّم، بل للُّجوء والنزوح. ولا شبابيكها تطلُّ على فُسَح غزّة، بل على مشاهد الدمار".

رفعت العرعير كان مُعلّم أجيالٍ يخشاه الاحتلال

أمّا الحديث عن تجربة اعتقاله فكان الجزء الأقسى، كونه فصّل الطريقة الوحشية التي اعتُقل بها، في مكان ادّعت "إسرائيل" أنّه ممرّ إنساني. يقول: "في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، ظهر اسم زوجتي وأطفالنا الثلاثة على قائمة المسافرين عبر معبر رفح، على اعتبار أنّ طفلنا الصغير مصطفى لديه الجنسية الأميركية، فخرجنا معه مُرافقين. لم يكن الطريق آمناً، خصوصاً أنّ الاحتلال سبق أن استهدف سيّارات كان فيها مسافرون معهم جنسية أميركية مثلنا. في الطريق، كانت هناك نقطة تفتيش إسرائيلية قرب دوّار الكويت، وتجمّع عندها آلاف الناس الذين كانوا يحاولون الانتقال من الشمال إلى الجنوب. رأيت الجنود الإسرائيليّين للمرّة الأُولى، كلّ حروبهم علينا كانت باستخدام الطائرات، هُم أشباح بالنسبة إلينا. يروننا ولا نراهم".

وأضاف: "في الطريق كنتُ أحملُ ابني مصطفى على يدٍ وجوازات السفر بيد أُخرى، ثم بدأ أحد الجنود بالصُّراخ كي أتقدّم نحوه، تركتُ ابني على الأرض، ثم سمعتُ أحدهم ينادي باسمي، واستغربت كيف عرفوا. بعدها أخذونا في مجموعة كبيرة من الرجال بعد أن أجبرونا على خلع كلّ ملابسنا، وبقينا عُراةً بالكامل. ثم عصّبوا عيوننا وكبّلوا أيدينا. بدأت بتقديم نفسي بالإنكليزية لجندي صهيوني، من غير أن أراه، فردّ علي: 'أنت ناشط في حماس'، فحاججته إنْ كان هناك دليلٌ على ادعائه، فصفعني على وجهي، وقال: 'أنتَ أعطني دليلاً على عكس ذلك'، ثم بدأوا بالاعتداء علينا وانهالوا علينا بالضرب. وضعونا في عربة، وبعد ساعتين اكتشفنا أنّنا وصلنا إلى بئر السبع. حقّقوا معي لساعات، ولاحقاً أُطلِق سراحي".

وتحدّث أبو توهة أيضاً، في حواره، عن الشاعر الشهيد رفعت العرعير: "كان إنساناً فريداً، جمع بشكل نادر حُبَّ الأدب العربي والأدب الإنكليزي معاً، الشعر الكلاسيكي العربي وشعر شكسبير. كان معلّمَ الأجيال الذي تخشاه إسرائيل، وكان أكبر همّه إعطاء مهارته بالإنكليزية لطلّابه في الجامعة أو حتى خارجها. مرّة وقّع لي كتاباً قصصياً حرّره وشارك فيه، وكتب 'فلسطين هي على بُعدِ قصّة'، فرددت عليه لاحقاً 'فلسطين على بُعد قصيدة'".

وختم مصعب أبو توهة بالحديث عن قصيدة العرعير الأخيرة "إذا كان لا بدّ أن أموت"، قائلاً: "كانت صرخة. وها نحن نرى العالَم يُطيّر الطائرات الورقية، كونه ورد ذكرُها في تلك القصيدة، تضامُناً معه وتخليداً لذكراه. نريد أن نرى هذه الطائرات في سماء غزّة، لا في سان فرانسيسكو أو لندن فقط".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون