تتزايد ردود الفعل في تركيا على قرار منصة "ديزني بلس" التابعة لشركة "والت ديزني" الأميركية بمنع مسلسل "أتاتورك"، الذي يتناول حياة مؤسّس الجمهورية التركية. فقد أصدر عدد كبير من الشعراء والكُتَّاب والفنانين الأتراك بياناً في الخامس من آب/ أغسطس الجاري، أدانوا فيه القرار.
واعتبر الموقعون على البيان أن ما قامت به "ديزني بلس" هو "عدم احترام لذكرى أتاتورك العزيزة والشعب التركي"، كما طالبوا المنصة بإصدار بيان مقنع حول أسباب منع عرض المسلسل. ومن بين الموقعين على البيان، الشاعر أ. قادر باكسوي، والشاعرة أصليهان تويلو أوغلو، والكاتب أحمد يلديز، والشاعرة والمترجمة ليلى بيري، بالإضافة إلى العديد من الأسماء الأُخرى.
وكان من المفترض أن تبثّ المنصّة مسلسلاً من ستّ حلقات بعنوان "أتاتورك" حول حياة مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، الذي يقوم بتجسيد شخصيته في العمل الممثل التركي آراس بولوت إيناملي، في الواحد والثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الجمهورية.
إلا أن المنصة أعلنت الأسبوع الماضي عن عدم عرض المسلسل، الذي أخرجه محمد أدا أوزتكين وأُنفقت عليه ثمانية ملايين دولار، على جمهورها حول العالم، وأنه سيتم تحويله إلى فيلم من جزئين، ولكن سيُعرضان فقط على قناة "FOX" في تركيا. وممّا ورد في بيان الشركة: "نتيجة للتغييرات التي جرى إجراؤها على إستراتيجية المحتوى الخاصة بنا، فبدلاً من مسلسل 'أتاتورك'، سيتم عرض فيلمين في دور السينما التركية ثم على شاشات تلفزيون فوكس الخاصة بنا".
شعراء وكتّاب وفنّانون احتجّوا على منع المصّة بثّ المسلسل
تسببت هذه التصريحات في احتجاجات واسعة شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي التركية، على المستويين الحكومي والشعبي، منذ اليوم الأول لصدور بيان المنصّة، حيث صرَّح عمر تشيليك المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم، في منشور له: "إنه من العار أن تكون منصّة ديزني بلس قد استسلمت لضغط اللوبي الأرمني لإلغاء المسلسل. هذا الموقف من المنصّة المعنية لا يحترم قيم جمهورية تركيا وأمَّتنا. وكما ذكرنا في مناسبات مختلفة من قبل، فإنّ هذا اللوبي في الولايات المتّحدة يستخدم الأحداث التاريخية كأداة لسياسة الأكاذيب. إنّ الغرض الوحيد من هذا اللوبي هو منع تطبيع العلاقات التركية الأرمينية، كما نرى دائماً".
من جهته كتب السفير سيردار كيليتش، الممثل الخاص لتركيا في عملية التطبيع مع أرمينيا: "العقلية التي أقامت ما يُسمّى نصب نيميسيس التذكاري في يريفان للإضرار بعملية التطبيع بين تركيا وأرمينيا، هي نفسها التي ضغطت لمنع عرض مسلسل أتاتورك على منصّة ديزني بلس، من أجل الغرض نفسه".
كما أعلن رئيس "المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي"، أبو بكر شاهين، في بيان للمجلس أن تحقيقاً سيبدأ مع "ديزني بلس" في تركيا، بناءً على المعلومات التي تفيد بأنّها قرّرت عدم بثّ مسلسل عن أتاتورك. وأنهى شاهين بيانه بأن أتاتورك "هو أهمّ قيمنا الاجتماعية".
جدير بالذكر أن العديد من التقارير الصحافية التركية، قد ذكرت أن اللجنة الوطنية الأرمنية الأمريكية (ANCA) دعت أكثر من مرّة خلال الأشهر الماضية إلى إلغاء عرض مسلسل أتاتورك، لأنه يُمجد "ديكتاتوراً تركياً وسفَّاح الإبادة الجماعية"، على حد تعبيرهم. كما ذكرت أن اللوبي الأرمني قد رفض قبل سنوات اقتراح بلدية مدينة كارسون في الولايات المتّحدة الأميركية، ببناء نصب تذكاري لأتاتورك.
ومن المعروف أن جمعية "الاتحاد والترقي" التركية، قد قامت بعمليات تهجير واسعة للأرمن من شرق تركيا عام 1915، وأن الخلافات مستمرة بين أرمينيا وتركيا حول هذه القضية حتى الآن. فبينما تذكر أرمينيا أن حوالي 1.5 مليون أرمني وآشوري ويوناني قد ماتوا في مذابح أو من الجوع والإرهاق في الصحراء، تعترض تركيا على هذا الرقم، رغم إقرارها بحدوث عمليات قتل؛ إذ ترة ترى أنّ الوفيات آنذاك كانوا من جميع الأطراف، في سياق الصراع الدائر في ذلك الوقت، وترفض الاعتراف بالقتلى على أنها "إبادة جماعية"، وأن هناك جدل كبير بين المؤرّخين حول ما إذا كان أتاتورك، الضابط في الحرب العالمية الأولى، والعضو بجمعية "تركيا الفتاة" التي يتبعها "الاتحاد والترقّي"، قد شارك بشكل شخصي في هذه العمليات.
وإلى جانب ردود الأفعال الشعبية في تركيا، بالدعوة إلى مقاطعة "ديزني بلس"، اعترض العديد من الفنانين الأتراك على قرار منع المسلسل، منذ اليوم الأول أيضاً لإعلان بيان المنصة، من بينهم الممثل التركي جليل نلتشكان، حيث صرح في منشور له: "أنا أتحدّث بشكل واضح. لن أقبل أيّ عرض من ديزني بلس تحت أي ظرف من الظروف ما لم يعتذروا للأمّة التركية العظيمة".
وكتب عازف الكمان الشهير جهاد أشكين على حسابه أيضاً: "لا أريد ديزني بلس، التي أوقفت فيلم أتاتورك، مؤسّس بلادنا، نتيجة الضغوط، أن تعمل في تركيا. أطالب بإلغاء الاشتراكات ومقاطعة هذه المنصّة". وقد عبَّر بعض الفنانين الأتراك عن ردود أفعالهم حول هذه المسألة بطريقة قاسية، وصلت بعضها إلى حدّ العنصرية، من بينهم تصريح المغني فتَّاح جان، الذي قال: "لن نشترك في هذه المنصّة، ليصبح المشتركون الجدد من عصابات الأرمن فقط".
وأخيراً، من المثير للانتباه في هذه القضية، أن أغلب المدافعين عن أتاتورك، كانوا من "حزب العدالة والتنمية" الحاكم أو المقرّبين منه. وقد ردَّ كُتَّاب جريدة "صباح" التركية - المقرّبة من الحكومة - على ما سمّوه "نفاق" كلِّ من حزب الشعب الجمهوري "الأتاتوركي" والمعارضة. وفي هذا السياق، يقول الكاتب حشمت بابا أوغلو: "حزب الشعب الجمهوري لا يُسمع له صوت. إنهم ليسوا كماليين، إنهم يسعون وراء أغراضهم الدنيوية". كما انتقد الكاتب مولود تيزيل صمت شخصيات المعارضة بقوله: "يساريو جيهانغير صامتون، في حين أن ردَّ الفعل يأتي من الجماهير".