في بداية الشهر الماضي، أعلن المخرج الأردني الفلسطيني محمود مسّاد عدم قبوله المنحة المقدّمة من "صندوق البحر الأحمر للسينما"، الذي يعقد مهرجانه حالياً في مدينة جدّة السعودية، ومقدارها أربعون ألف دولار، معترضاً على الاحتفال في الوقت الذي تتعرّض فيه غزّة للقصف الصهيوني.
بعد ذلك تواصل مسّاد مع عدد من المخرجين والفنانين العرب، حيث أصدروا بياناً بعنوان "سينمائيون ضد الصمت"، عبّروا فيه عن انحيازهم الصريح إلى "حق الشعب الفلسطيني في المقاومة لنيل حريته من احتلال الفصل العنصري"، مؤكدين أنّ "السينما لا تنفصل عن الحياة وعن واقعنا السياسي الذي فرض نفسه على كل تفاصيل حياتنا الشخصية والمهنية. وإن لم تلتفت هذه المهرجانات إلى قضايانا وتتواصل معها وتُعبّر عنها، وتسمع نداءاتنا المتكرّرة بإدانة العدوان والظلم الدائر حولنا، فإنها، ومن خلال صمتها على هذا العنف، تتعدى على مساحتها ومساحتنا، وتطيح بالأماكن التي ظننا أنها ستكون آمنة ونستطيع أن نُعبّر فيها عن أنفسنا بحرية".
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير مسّاد إلى أن موقفه ينطلق من رفضه لأنشطة "الهيئة العامة للترفيه" السعودية، والتي تواصل احتفالاتها وأنشطتها، في تجاهل تام للتدمير والتطهير العرقي اللذين يمارسهما الاحتلال منذ شهرين، ورفضه أن يُشترى الإبداع بالمال، لذلك اعتذر عن قبول تمويل فيلمه "ٍسينما كواكب" الذي ينتظر فرصة لإخراجه منذ سنتين.
على الفنان أن يتفاعل مع واقعه وألّا يتهرّب من مسؤولياته ورسالته
ويوضّح أن دائرة المقاطعة لــ"مهرجان البحر الأحمر السينمائي" الذي يُختتم بعد غدٍ السبت اتسعت، كما أن كثيراً من الفنانين الذي اضطروا للمشاركة لم ينشروا على وسائط التواصل الاجتماعي أية أخبار أو صور عن مشاركتهم فيه.
ويلفت مسّاد إلى أن على الفنان أن يحترم الدماء التي تسيل خلال الإبادة المتواصلة في غزة، ما يستدعي التوقّف عن الاحتفال وإظهار البهجة في مثل هذه الظروف، لكن دوره الأكبر يتمثّل في الانخراط في الحرب الإعلامية من أجل كشف جرائم الاحتلال، وأن يتفاعل مع واقعه وألّا يتهرّب من مسؤولياته ورسالته، لذلك عليه أن يتخلّى عن مكاسبه الضيقة ومشاركاته في هذه المهرجانات.
سبق لمسّاد أن قدّم فيلمه "هذه صورتي وأنا ميت" (2010) المقتبس عن قصّة حقيقية حول اغتيال مناضل فلسطيني في اليونان عبر تتبع ذاكرة ابنه. لكن، ورغم إحباطه جراء التهميش ومحاربة السينما التي تتناول القضية الفلسطينية، فإنّه يعتقد أنّ المزاج العام يتغير في بلدان عدة حول العالم، مضيفاً أن لديه أفكاراً وضعها منذ سنوات في هذا الاتجاه، واحدة منها حول المخرج الفلسطيني محمد صالح الكيالي الذي حاول منذ الأربعينيات تقديم سينما حول فلسطين، وتستحق تجربته وسيرته التوثيق.
وبيّن مسّاد أنّ العديد من الذين رفضوا تمويل "صندوق البحر الأحمر" والمشاركة في مهرجانه قد يتم مقاطعتهم من قبل مهرجانات ومؤسّسات عربية أخرى، لذلك هم يعملون اليوم سوية بشكل متضامن على مشاريع مشتركة حول قضايا جادة بأبسط التكاليف، وبعضها سيخرج إلى النور قريباً، مؤكداً على ضرورة الاستفادة من المناخات السائدة اليوم لتقديم سينما ضدّ الهيمنة والاحتلال.